أردت التأكيد أبصرته عيني وسمعته أذني، والمراد بالشفاعة هنا بعض أنواعها وهي التي يقول فيها ﷺ:"أمتي أمتي" فيقال له أخرج من في قلبه وزن كذا من إيمان فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون إيمانه أكمل ممن دونه، وأما الشفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف فأسعد الناس بها من سبق إلى الجنة وهم الذين يدخلونها بغير حساب ثم الذين يدخلونها بغير عذاب بعد الحساب واستحقاق العذاب، ثم من يصيبهم لفح من النار ولا يسقطون فيها. والشفاعات كما قال عياض خمس:
الأولى: العظمى وهي لإراحة الناس من هول الموقف وهي مختصة بنبينا ﷺ. قال النووي: قيل وهي المقام المحمود، وقال الطبراني: قال أكثر أهل التأويل: المقام المحمود هو الذي يقومه ﷺ ليريحهم من كرب الموقف لحديث ابن عباس المقام المحمود الشفاعة، وحديث أبي هريرة في قوله تعالى: ﴿عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قال: سئل عن النبي ﷺ فقال: هي الشفاعة.
الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه وردت أيضًا في نبينا ﷺ، واستدلّ لها بقوله تعالى في جواب قوله ﷺ أمتي أمتي أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه، أو الدليل عليها سؤاله ﷺ الزيادة على السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب.
الثالثة: في إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا.
الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعته ﷺ وغيره.
الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها، وأشار النووي في روضته إلى أن هذه من خصائصه وزاد عياض سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب كما سبق وزاد غيره سابعة وهي الشفاعة لأهل المدينة لحديث الترمذي عن أبي هريرة رفعه:"من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها". قال في الفتح: وهذه غير واردة لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول، وفي العروة الوثقى للقزويني شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تفصيرهم ولعلها تندرج في الخامسة، وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس، وزاد صاحب الفتح الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة لحديث ابن عباس عند الطبراني قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي ﷺ، وأصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم على الأرجح وشفاعته فيمن قال: لا إله إلا الله ولم يعمل خيرًا قط. قال: فالوارد على الخمسة أربعة وما عداها لا يرد كما لا ترد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي المقبرين وغير ذلك لكونه من جملة أحوال الدنيا اهـ ملخصًا.