وأما قول صاحب التذكرة والصحيح أن له ﷺ حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والآخر داخل الجنة وكلاهما يسمى كوثرًا متعقب بأن الكوثر نهر داخل الجنة وماؤه يصب في الحوض، ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمدّ منه، وفي حديث أبي ذر عند مسلم أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة، وقد سبق أن الصراط جسر جهنم، وأنه بين الجنة والموقف فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض والله أعلم.
وفي الترمذي عن سمرة رفعه: إن لكل نبيّ حوضًا وأشار إلى أنه اختلف في وصله وإرساله وأن المرسل أصح والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ"إن لكل نبي حوضًا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعًا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا" وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولاً مرفوعًا مثله وفي سنده لين، وعند ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد رفعه: وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض الحديث وفي إسناده لين، فالمختص به نبينا محمد ﷺ الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه ولم ينقل نظيره لغيره، ولذا امتنّ الله تعالى عليه به في التنزيل.
(وقول الله تعالى ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾)[التكوير: ١] وهو فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة، واختلف في تفسيره فقيل: نهر في الجنة وهو المشهور والمستفيض عند السلف والخلف، وقيل أولاده لأن السورة نزلت ردًّا على من عابه بعدم الأولاد وقيل الخير الكثير وقيل غير ذلك مما ذكرته في كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية. وقال: إنّا أعطيناك بلفظ الماضي ولم يقل سنعطيك ليدل على أن هذا الإعطاء حصل في الزمن الماضي ولم يقل أعطيناك مكتفيًا بنون العظمة بل قال: إنّا أعطيناك ليشعر بتوليته تعالى الإعطاء على وجه الاختصاص به دون غيره، وفي ذلك من الفخامة المبهجة ما فيه، وقد تواتر حديث الكوثر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث وكذلك أحاديث الحوض.
(وقال عبد الله بن زيد) المازني مما وصله البخاري في حديث طويل بغزوة حنين (قال النبي ﷺ: اصبروا) أي على ما ترون بعدي من الأثرة (حتى تلقوني على الحوض).
وبه قال:(حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن حماد) الشيباني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن شقيق) بالشين المعجمة المفتوحة والقافين بينهما تحتية ساكنة أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود ﵁(عن النبي ﷺ) أنه قال: