وبه قال:(حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه أو هو ابن نصر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام بن منبه) الصنعاني أنه (قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة)﵁ ولأبي ذر به أبو هريرة (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(نحن الآخرون) المتأخرون وجودًا في الدنيا (السابقون) الأمم (يوم القيامة) حسابًا ودخولاً للجنة.
(فقال) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: وقال (رسول الله ﷺ: والله لأن) بفتح اللام وهي لتأكيد القسم (يلج) بفتح التحتية واللام والجيم المشددة من اللجاج وهو الإصرار على الشيء مطلقًا أي لأن يتمادى (أحدكم بيمينه) الذي حلفه (في) أمر بسبب (أهله) وهم يتضررون بعدم حنثه ولم يكن معصية (آثم له) بفتح الهمزة الممدودة والمثلثة أشد إثمًا للحالف المتمادي (عند الله من أن) يحنث و (يعطي كفارته التي افترضـ) ـها (الله)﷿(عليه) فينبغي له أن يحنث ويفعل ذلك ويكفر فإن تورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم أخطأ بإدامة الضرر على أهله لأن الإثم في اللجاج أكثر منه في الحنث على زعمه أو توهمه.
وقال ابن المنير: وهذا من جوامع الكلم وبدائعه، ووجهه أنه إنما تحرجوا من الحنث والحلف بعد الوعد المؤكد باليمين، وكان القياس يقتضي أن يقال لجاج أحدكم آثم له من الحنث، ولكن النبي ﷺ عدل عن ذلك إلى ما هو لازم الحنث وهو الكفارة لأن المقابلة بينها وبين اللجاج أفحم للخصم وأدل على سوء نظر المتنطع الذي اعتقد أنه تحرج من الإِثم، وإنما تحرج من الطاعة والصدقة والإحسان وكلها تجتمع في الكفارة ولهذا عظم شأنها بقوله التي افترض الله عليه، وإذا صح أن الكفارة خير له ومن لوازمها الحنث صح أن الحنث خير له، ولأن يلج أحدكم بيمينه في أهله أي لأن يصمم أحدكم في قطيعة أهله ورحمة بسبب يمينه التي حلفها على ترك برهم آثم له عند الله من كذا انتهى.
وفي هذا الحديث أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على ارتكاب معصية كترك واجب عيني وفعل حرام عصى بحلفه ولزمه حنث وكفارة إذا لم يكن له طريق سواه، وإلاّ فلا كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقًا بأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن الغرض حاصل مع بقاء التعظيم وإن حلف على ترك مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب سن ترك حنثه لما فيه من تعظيم اسم الله نعم إن تعلق بتركه أو عله غرض ديني كأن حلف أن لا يمس طيبًا ولا