وأجيب: بأنه تأكيد لفظي لا لقصد التكرار، فإن ذلك مستفاد من الصيغة ثم قال: وأقول إن أصل السؤال فاسد، بل لا بدّ من التكرار إذا كان العدل في لفظ واحد كمثنى مثنى وثلاث ثلاث.
ومنه الحديث مثنى مثنى، فإن وقعت بين لفظين أو ألفاظ مختلفة لم يجز التكرار كمثنى وثلاث ورباع، والحكمة في ذلك أن ألفاظ العدد المعدولة مشروطة بسبق ما يقع فيه التفصيل تحقيفًا نحو: ﴿أولي أجنحة﴾ [فاطر: ١] أو تقديرًا نحو: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أريد تفصيله من نوع واحد وجب تكريره، لأن وقوعه بعده إما على جهة الخبرية أو الحالية أو الوصفية، فحمله عليه يقتضي مطابقته له، فلا بدّ من تكريره لتحصل الموافقة له، إذ لا يحسن وصف الجماعة باثنين وإن كان من ألفاظ مقدرة متعددة، فالمجموع تفصيل للمجموع فكان وافيًا به فلأجل ذلك لم يكرر نحو قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] وإنما كان العدل في هذه الألفاظ من غير تكرار ليصيب كل ناكح ما شاء من هذه الأعداد، إذ لو كان من لفظ واحد لاقتصر الناكحون على ذلك العدد اهـ.
وتعقبه في المصابيح بأنه لا يعرف أحدًا من النحاة ذهب إلى هذا التفصيل الذي ذكره، وفي الصحاح: إذا قلت جاءت الخيل مثنى فالمعنى اثنين اثنين أي جاؤوا مزدوجين، فهذا مما يقدح في إيجاب التكرير في اللفظ الواحد ثم بناء ما ذكره على الحكمة التي أبداها بناء واهٍ لأن المطابقة حاصلة بدون تكرير اللفظ المعدول من جهة المعنى، وذلك أنك إذا قلت جاء القوم مثنى إنما معناه اثنين اثنين، وهكذا فهو بمعنى مزدوجين كما قال الجوهري، ولا شك في صحة حمل مزدوجين على القوم ثم تكرير اللفظ المعدول لا يوجب المطابقة لأن الثاني كالأوّل سواء وليس ثم حرف يقتضي الجمع حتى تحسن المطابقة التي قصدها فلا يظهر وجه صحيح لما قاله وبناه اهـ.
(فإذا خشى) المصلي (الصبح صلّى) ركعة (واحدة فأوترت) تلك الركعة (له ما صلّى) احتجّ به الشافعية على أن أقل الوتر ركعة واحدة مع حديث ابن عمر ﵄ مرفوعًا: "الوتر ركعة من آخر الليل" وقال المالكية أي ركعة مع شفع تقدمها ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى. قال نافع:(وأنه) أي ابن عمر (كان يقول)(اجعلوا آخر صلاتكم وترًا) وللأصيلي وأبي الوقت في نسخة عنهما وابن عساكر: آخر صلاتكم بالليل فزاد لفظ بالليل، وعزاها في الفتح لرواية الكشميهني والأصيلي فقط، (فإن النبي ﷺ أمر به) أي بالوتر أو بالجعل الذي يدلّ عليه قوله اجعلوا.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة: أجيب: بأنّ كونه ﵊ على المنبر يدل على جماعة جالسين في المسجد، وعنهم الرجل الذي سأل عن صلاة الليل. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول.