وقال حسن وصححه الحاكم أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" والتعبير بذلك للمبالغة في الزجر والتغليظ وهل النهي للتحريم أو التنزيه المشهور عند المالكية الكراهة وعند الحنابلة التحريم وجمهور الشافعية أنه للتنزيه. وقال إمام الحرمين: الذهب القطع بالكراهة. وقال غيره بالتفصيل فإن اعتقد فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكفر بذلك الاعتقاد أما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه.
(قال عمر)﵁: (فوالله ما حلفت بها) أي بأبي (منذ سمعت النبي ﷺ) ومنذ ظرف مضاف إلى الجملة بتقدير زمان أي ما حلفت بها منذ زمن سماعي للنهي عنها حال كوني (ذاكرًا) أي عامدًا (ولا آثرًا) بهمزة ممدودة فمثلثة مكسورة أي حاكيًا عن غيري أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري واستشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفًا. وأجيب: باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفًا أي ولا ذكرتها آثرًا عن غيري أن يكون ضمن حلفت معنى تكلمت أو معناه يرجع إلى معنى التفاخر بالآباء والإكرام لهم فكأنه قال: ما حلفت بآبائي ذاكرًا لمآثرهم.
(قال مجاهد) فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح في تفسير قوله تعالى (﴿أو أثارة من علم﴾)[الأحقاف: ٤] وفي نسخة أو أثرة بإسقاط الألف بعد المثلثة وفي هامش الفرع كأصله قرئ بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما أي (يأثر علمًا) بضم المثلثة واختلف في معنى هذه اللفظة ومحصل ما ذكر في ذلك ثلاثة أقوال أحدها البقية والأصل أثرت الشيء آثره أثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهي العلامة (تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد مما رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (والزبيدي) محمد بن الوليد مما وصله النسائي (وإسحاق) بن يحيى (الكلبي) الحمصي مما هو في مشيخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله الحميدي في مسنده (ومعمر) هو ابن راشد مما وصله أبو داود كلاهما (عن الزهري عن سالم عن ابن عمر) أنه (سمع النبي ﷺ عمر).
وفي هذا الحديث الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في حديث ابن عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور أو خص لكونه كان غالبًا عليهم لقوله في الرواية الأخرى: وكانت قريش تحلف بآبائها، ويدل على التعميم قوله: من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله فلو حلف بغيره تعالى سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والآباء والكعبة أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإِذلال كالشياطين والأصنام لم تنعقد يمينه. قال الطبري: من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه الاستغفار لإقدامه على ما نهي عنه ولا كفارة في ذلك نعم استثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف