فيعترض دونه ويصير حاجزًا ومانعًا، والمعنى على هذا النهي أن يحلفوا بالله على أنهم لا يبرون ولا يتقون ويقولون لا نقدر نفعل ذلك لأجل حلفنا أو من العرضة وهي القوّة والشدة يقال جمل عرضة للسفر أي قويّ عليه وقال الزبير:
فهذي لأيام الحروب وهذه … للهوى وهذي عرضة لارتحالنا
أي قوّة وعدة أي لا تجعلوا اليمين بالله قوّة لأنفسكم في الامتناع من البر وقوله (﴿أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس﴾) عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإِصلاح بين الناس واللام تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخًا، ويجوز أن تكون اللام تعليلية ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم عرضة لأن تبروا وفي ذلك نهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به، وذلك لأنه من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له يقول الرجل: قد جعلتني عرضة للومك. قال الشاعر:
ولا تجعليني عرضة للوائم
وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله ﴿ولا تطع كل حلاف مهين﴾ وقال تعالى ﴿واحفظوا أيمانكم﴾ [المائدة: ٨٩] وكان الخلف يمدحون بالإقلال من الحلف والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع فلا يؤمن من إقدامه على الإيمان الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين، وأيضًا كلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله تعالى كان أكمل في العبودية ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعظم وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية (﴿والله سميع﴾) لأيمانكم (﴿عليم﴾)[البقرة: ٢٢٤] بنياتكم، وسقط لأبي ذر من قوله (أن تبروا) إلى آخر الآية.
(وقوله جل ذكره ﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً﴾) عرضًا من الدنيا يسيرًا (﴿إن ما عند الله﴾) من ثواب الآخرة (﴿هو خير لكم إن كنتم تعلمون﴾)[النحل: ٩٥] وقوله تعالى: (﴿وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم﴾) هي البيعة لرسول الله ﷺ على الإسلام إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ((ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها﴾) بعد توثيقها باسم الله (﴿وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً﴾)[النحل: ٩١] شاهدًا ورقيبًا، وفي رواية أبي ذر ﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً﴾ إلى قوله ﴿ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً﴾ قال في الفتح: وسقط ذلك لجميعهم ووقع فيه تقديم وتأخير والصواب قوله ﴿ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً﴾ إلى قوله ﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً﴾ ووقع في رواية النسفيّ بعد قوله ﷿ ﴿عرضة لأيمانكم﴾ ما نصه وقوله ﴿ولا تشتروا يعده الله ثمنًا قليلاً﴾ الآية وقوله ﴿وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم﴾ الآية.