طهره بعد تيقن حدثه مع التردد لأن الأصل بقاء الحدث. بل لو نوى في هذه إن كان محدثًا فعن حدثه، وإلا فتجديد صح أيضًا، وإن تذكر. نقله النووي في شرح المهذب عن البغوي وأقرّه.
(وإنما لكل امرئ) بكسر الراء لكل رجل (ما نوى) أي الذي نواه أو نيته، وكذا لكل امرأة ما نوت لأن النساء شقائق الرجال. وفي القاموس والمرء مثلث الميم الإنسان أو الرجل، وعلى القول بأن إنما للحصر فهو هنا من حصر الخبر في المبتدأ، أو يقال: قصر الصفة على الموصوف لأن المقصور عليه في إنما دائمًا المؤخر، ورتبوا هذه على السابقة بتقديم الخبر وهو يفيد الحصر كما تقرر، واستشكل الإتيان بهذه الجملة بعد السابقة لاتحاد الجملتين فقيل تقديره وإنما لكل امرئ ثواب ما نوى، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير معتبرة إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له ثواب العمل على مقدار نيته، ولهذا أخّرت عن الأولى لترتبها عليها. وتعقب بأن الأعمال حاصلة بثوابها للعامل لا لغيره فهي عين معنى الجملة الأولى، وقال ابن عبد السلام: معنى الثانية حصر ثواب الإجزاء المرتب على العمل لعامله، ومعنى الأولى صحة الحكم وإجزاؤه ولا يلزم منه ثواب، فقد يصح العمل ولا ثواب عليه كالصلاة في المغصوب ونحوه على أرجح المذاهب، وعورض بأنه يقتضي أن العمل له نيتان نية بها يصح في الدنيا ويحصل الاكتفاء به، ونية بها يحصل الثواب في الآخرة إلا أن يقدر في ذلك وصف النية إن لم يحصل صح ولا ثواب، وإن حصل صح وحصل الثواب فيزول الإشكال. وقيل: إن الثانية تفيد اشتراط تعيين المنويّ فلا يكفي في الصلاة نيتها من غير تعيين، بل لا بدّ من تمييزها بالظهر أو العصر مثلاً، وقيل: إنها تفسد منع الاستنابة في النية لأن الجملة الأولى لا تقتضي منعها بخلاف الثانية، وتعقب بنحو نية وليّ الصبي في الحج فإنها صحيحة، وكحج الإنسان عن غيره، وكالتوكيل في تفرقة الزكاة.
وأجيب بأن ذلك واقع على خلاف الأصل في المواضع. وذهب القرطبيّ إلى أن الجملة اللاحقة مؤكدة للسابقة، فيكون ذكر الحكم بالأولى وأكده بالثانية تنبيهًا على سرّ الإخلاص وتحذيرًا من الرياء المانع من الخلاص، وقد علم أن الطاعات في أصل صحتها وتضاعفها مرتبطة بالنيات، وبها ترفع إلى خالق البريّات.
(فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها) جملة في موضع جرّ صفة لدنيا أي يحصلها نية وقصدًا (أو إلى امرأة) ولأبي ذر أو امرأة (ينكحها) أي يتزوّجها كما في الرواية الأخرى، (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة والجملة جواب الشرط في قوله فمن. قال ابن دقيق العيد في قوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، أي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، ونحو هذا في التقدير قوله: فمن كانت هجرته إلى دنيا إلى آخره، لئلا يتحد الشرط والجزاء، ولا بدّ من تغايرهما، فلا يقال من أطاع الله أطاع الله، وإنما يقال من أطاع الله نجا، وهنا وقع الاتحاد فاحتيج إلى التقدير المذكور، وعورض بأنه ضعيف من جهة العربية لأن الحال المبينة لا تحذف بلا دليل، ومن ثم منع بعضهم تعلق الباء في بسم الله