رسول الله ﷺ فقال أحدها): يا رسول الله (اقض بيننا بكتاب الله) بحكم الله الذي قضى به على المكلفين (وقال الآخر وهو أفقههما: أجل) بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام أي نعم (يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) ولأبي ذر وأذن لي بإسقاط الياء التي بعد الهمزة (أن أتكلم) استدلّ به على كونه أفقه من الآخر (قال ﷺ):
(تكلم قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا -قال مالك والعسيف الأجير- فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لى) ولأبي ذر عن الكشميهني وجارية لي بإسقاط الموحدة، وفي رواية عمرو بن شعيب فسألت من لا يعلم فأخبرني أن على ابنك الرجم فافتديت منه (ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله ﷺ: أما) بالتخفيف (و) الله (الذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك) المائة (وجاريتك فردّ عليك) فمردودة عليك (وجلد ابنه مائة) أي أمر من يجلده فجلده (وغرّبه) من موطن الجناية (عامًّا وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر) ليعلمها أن الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه أو تعفو عنه (فإن اعترفت) أنه زنى بها (فارجمها) أي بعد إعلامي أو فوّض إليه الأمر فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولهم يحكم، وقد دلّ قوله فأمر بها رسول الله ﷺ فرجمت أنه ﷺ هو الذي حكم فيها بعد أن أعلمه أنيس باعترافها قاله عياض، ولأبي ذر رجمها فأتاها أنيس فاعلمها وكان لقوله فإن اعترفت مقابلاً يعني فإن أنكرت فاعلمها أن لها مطالبة بحدّ القذف فحذف لوجود الاحتمال فلو أنكرت وطلبت لأجيبت (فاعترفت) بالزنا (فرجمها) بعد أن أعلم النبي ﷺ باعترافها مبالغة في الاستثبات مع أنه كان علق له رجمها على اعترافها. وفي الحديث أن الصحابة كانوا يفتون في عهده ﷺ وفي بلده.
وذكر محمد بن سعد في طبقاته أن منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وعبد الرحمن بن عوف وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وفيه أن الحدّ لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر، واختلف في القذف والصحيح أنه كغيره. وإنما يجري الفداء في البدن كالقصاص في النفس والأطراف.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فيمن قذف امرأة غيره أما من قذف امرأته فمأخوذ من كون زوج المرأة كان حاضرًا ولم ينكر ذلك كذا في الفتح قال: وقد صحح النووي وجوب إرسال الإمام إلى المرأة ليسألها عما رميت به، واحتج ببعث أنيس إلى المرأة وتعقب بأنه فعل وقع في واقعة حال لا دلالة فيه على الوجوب لاحتمال أن يكون سبب البعث ما وقع بين زوجها وبين والد العسيف من الخصام والمصالحة على الحدّ واشتهار القصة حتى صرح والد العسيف بما صرح به ولم ينكر عليه زوجها فالإرسال إلى هذه يختص بمن كان على مثلها من التهمة القوية بالفجور والله أعلم.