فإن قيل: صلة المتروك تدل على زيادة القصد إليه فجعله أصلاً، وجعل المذكور حالاً وتبعًا أولى. فالجواب: أن ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه إذ لا دلالة بدونه، فينبغي جعل الأوّل أصلاً والتبع حالاً قاله في المصابيح.
(فإن شدة الحر من فيح) أي من سعة تنفس (جهنم). حقيقة للحديث الآتي إن شاء الله تعالى، فأذن لها بنفسين، ولا يمكن حمله على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز أو هو من مجاز التشبيه أي مثل نار جهنم فاحذروه واخشوا ضرره، والأوّل أولى لا سيما والنار عندنا مخلوقة فإذا تنفست في الصيف للإذن لها قوّى لهب نفسها حرّ الشمس، والفاء في فإن للتعليل لأن علّة مشروعية الإبراد شدّة الحر لكونها تسلب الخشوع، أو لأنها ساعة تسجر فيها جهنم، وعورض بأن فعل الصلاة مظنّة وجود الرحمة.
وأجيب: بأن التعليل من قبل الشارع يجب قبوله، وإن لم يدرك معناه. وبأن وقت ظهوره أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا لمن أذن له بدليل حديث الشفاعة إذ يعتذر كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بغضب الله ﷿ إلاّ نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام المأذون له في الشفاعة.
ورواة هذا الحديث الثمانية مدنيون وفيه صحابيان وثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة والقول.
وبه قال:(حدّثنا ابن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة وللأربعة محمد بن بشار الملقب ببندار العبدي (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر ابن امرأة شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر أبي الحسن) بضم الميم بلفظ اسم الفاعل وهو اسم له وليس بوصف وأل فيه كالتي في العباس (سمع زيد بن وهب) الهمداني الجهني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الصحابي ﵁ أنه (قال):
(أذّن مؤذّن النبي ﷺ). بلال (الظهر) بالنصب أي في وقت الظهر فحذف المضاف الذي هو الوقت وأقيم الظهر مقامه، وبهذا يرد على الزركشي حيث قال: إن الصواب بالظهر أو للظهر (فقال:)﵊ لبلال ﵁: (أبرد أبرد) مرتين (أو قال:)﵊: (انتظر انتظر) مرتين كذلك.