(واشتكت النار إلى ربها) شكاية حقيقية بلسان المقال بحياة يخلفها الله تعالى فيها قاله عياض.
وتعقبه الأبي بأنه لا بد من خلق إدراك مع الحياة انتهى. لكن قال الأستاذ أبو الوليد الطرطوشي فيما نقله في المصابيح: وإذا قلنا بأنها حقيقية فلا يحتاج إلى أكثر من وجود الكلام في الجسم، أما في محاجة النار فلا بدّ من وجود العلم مع الكلام لأن المحاجّة تقتضي التفطّن لوجه الدلالة أو هي مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال كقوله:
شكا إليّ جملي طول السرى.
وقرّر البيضاوي ذلك فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها. وصوّب النووي حملها على الحقيقة. وقال ابن المنير: هو المختار، وقد ورد مخاطبتها للرسول ﷺ وللمؤمنين بقولها: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، ويضعف حمل ذلك على المجاز قوله:
(فقالت: يا رب) وللأربعة فقالت: رب (أكل بعضي بعضًا، فأذن لها) ربها تعالى (بنفسين): تثنية نفس بفتح الفاء وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء ونفس في الصيف) بجر نفس في الموضعين على البدل أو البيان، ويجوز رفعهما بتقدير أحدهما ونصبهما بأعني فهو (أشد ما تجدون) أي الذي تجدونه (من الحر)، أي من ذلك النفس، وهذا لا يمكن الحمل معه على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز، والذي رويناه أشد بالرفع مبتدأ محذوف الخبر، ويؤيده رواية النسائي من وجه آخر بلفظ: فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم الحديث، أو خبر مبتدأ محذوف أي فذلك، ويؤيده رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي، وعزاها ابن حجر لرواية الإسماعيلي من هذا الوجه فهو أشد، ويجوز الجر على البدل من السابق، ويجوز النصب مفعول تجدون الواقع بعد. قال الدماميني: وفيه بعد (وأشد) بالرفع أو الجر أو النصب (ما تجدون من الزمهرير) من ذلك النفس ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار، لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها طبقة زمهريرية، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدّين في محل واحد، وفيه أن النار مخلوقة موجودة الآن وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي خلافًا لمن قال من المعتزلة أنها إنما تخُلَق يوم القيامة.