وقال الكرماني: في مناسبة حديث علي للترجمة لعله استفاد من قول علي ﵁ تبكيت من تنطع في الكلام، وجاء بغير ما في الكتاب والسُّنّة قال العيني: والذي قاله الكرماني هو المناسب لألفاظ الترجمة، والذي قاله بعضهم يعني الحافظ ابن حجر بعيد من ذلك يعرف بالتأمل.
وبه قال:(حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن صبيح بالصاد المهملة والموحدة وآخره مهملة مصغر وهو أبو الضحى (عن مسروق) أبي عائشة ابن الأجدع الهمداني أنه (قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: صنع النبي ﷺ شيئًا ترخص فيه) يحتمل أن يكون كالإفطار في بعض الأيام في غير رمضان والتزوّج، وثبت قوله فيه لأبي ذر (وتنزه عنه قوم) فسردوا الصوم واختاروا العزوبة (فبلغ ذلك النبي ﷺ فحمد الله) بكسر الميم زاد أبو ذر وأثنى عليه (ثم قال):
(ما بال أقوام يتنزهون) أي يتباعدون ويحترزون (عن الشيء أصنعه) أصنعه في موضع نصب على الحال من الشيء (فوالله إني أعلمهم بالله) أي بغضب الله وعقابه يعني أنا أفعل شيئًا من المباحات كالنوم والأكل في النهار والتزوّج وقوم يحترزون عنه فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله تعالى فإني أعلم بقدر عذاب الله تعالى منهم (وأشدهم له) تعالى (خشية). فأنا أولى أن أحترز عنه، وكان ينبغي لهم أن يجعلوا عدم تنزههم عن المرخص مسببًا عن عمله صلوات الله وسلامه عليه فعكسوا فأنكر عليهم.
قال الداودي: التنزه عمار خص فيه الشارع من أعظم الذنوب لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله وهذا إلحاد. قال في فتح الباري: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك، لكن في حديث أنس: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي ﷺ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ أي أن بيننا وبينه بونًا بعيدًا فإنّا على صدد التفريط وسوء العاقبة وهو معصوم مأمون العاقبة وأعمالنا جنة من العقاب وأعماله مجلبة للثواب، فردّ ﷺ ما اختاروا لأنفسهم من الرهبانية بأن ما استأثرهم من الإفراط في الرياضة لو كان أحسن من العدل الذي أنا عليه لكنت أولى بذلك، ففيه أن العلة التي اعتل بها من أشير إليهم في الحديث أنه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي الحديث بيان حسن خلقه، والحث على الاقتداء به ﵊، والنهي عن التعمق وذم التنزه عن المباح شكًّا في إباحته، وفيه أن العلم بالله يوجب اشتداد الخشية.