ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وهناك يتحقق خلوّ الأرض عن مسلم فضلاً عن هذه الطائفة الكريمة وهذا كما في الفتح أولى ما يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين.
والحديث سبق في علامات النبوة ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد بعون الله.
وبه قال:(حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم ابن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان)﵄ حال كونه (يخطب قال: سمعت النبي ﷺ يقول):
(من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات لأن النكرة تفيد العموم أو خيرًا عظيمًا فالتنوين للتعظيم (يفقهه في الدين) والفقه في الأصل الفهم يقال فقه الرجل بالكسر يفقه فقهًا إذا فهم وعلم وفقه بالضم يفقه إذا صار فقيهًا عالمًا وجعله العرف خاصًّا بعلم الشريعة وتخصيصًا بعلم الفروع وإنما خص من علم الشريعة بالفقه لأنه علم مستنبط بالقوانين والأدلة والأقيسة والنظر الدقيق بخلاف علم اللغة والنحو والصرف، روي أن سليمان نزل على نبطية بالعراق فقال لها: هل هاهنا مكان نظيف أصلي فيه؟ فقالت: طهر قلبك وصلّ حيث شئت فقال: فقهت أي فهمت، ولو قال علمت لم يقع هذا الموقع. وعن الدارمي عن عمران قال: قلت للحسن يومًا في شيء قاله: يا أبا سعيد ليس هكذا يقول الفقهاء، فقال: ويحك هل رأيت فقيهًا قط إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمور دينه الداوم على عبادة ربه (وإنما أنا قاسم) قال القاضي عياض: أي إنما أقسم بينكم فألقى إلى كل واحد ما يليق به (ويعطي الله) كل واحد منكم من الفهم والتفكر والعمل ما أراده.
وقال التوربشتي: أعلم ﷺ أنه لم يفضل في قسمة ما أوحي إليه أحدًا من أمته على الآخر بل سوّى في البلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء ولقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممن أتى بعده فيستنبط منه كثيرًا، وقال الطيبي: الواو في قوله وإنما إنّا للحال من فاعل يفقهه أو من مفعوله وإذا كان الثاني فالمعنى أن الله يعطي كلاًّ ممن أراد أن يفقهه استعدادًا لدرك المعاني على ما قدره ثم يلهمني بإلقاء ما هو اللائق باستعداد كل واحد وعليه كلام القاضي