(فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم) بفتح العين والحاء المهملتين ونسبه في هذه الرواية لجده وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (فقال: هكذا حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) بمثل حديث عمرو بن العاص. (وقال عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حنطب المخزومي قاضي المدينة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن حزم قاضي المدينة أيضًا (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن النبي ﷺ مثله). فخالف أباه في روايته عن أبي سلمة وأرسل الحديث الذي وصله لأن أبا سلمة تابعي.
قال في الفتح: وقد وجدت ليزيد بن الهاد فيه متابعًا عند عبد الرزاق وأبي عوانة من طريقه عن معمر عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري عن أبي بكر بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث مثله بغير قصة وفيه فله أجران اثنان.
وفي الحديث دليل على أن الحق عند الله واحد وكل واقعة لله تعالى فيها حكم فمن وجده أصاب ومن فقده أخطأ، وفيه أن المجتهد يخطئ ويصيب والمسألة مقررة في أصول الفقه فقال أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو يوسف ومحمد وابن سريج المسألة التي لا قاطع فيها من مسائل الفقه كل مجتهد فيها مصيب. وقال الأشعري والقاضي أبو بكر: حكم الله فيها تابع لظن المجتهد فما ظنه فيها من الحكم فهو حكم الله في حقه وحق مقلده، وقال أبو يوسف ومحمد وابن سريج في أصح الروايات عنه مقالة تسمى بالأشبه، وهي أن في كل حادثة ما لو حكم الله لم يحكم إلا به. وقال في المنخول: وهذا حكم على الغيب، ثم هؤلاء القائلون بالأشبه يعبرون عنه بأن المجتهد مصيب في اجتهاده مخطئ في الحكم أي إذا صادف خلاف ما لو حكم لم يحكم إلا به وربما قالوا يخطئ انتهاء لا ابتداء هذا آخر تفاريع القول بأن كل مجتهد مصيب. وقال الجمهور: وهو الصحيح المصيب واحد، وقال ابن السمعاني في القواطع: إنه ظاهر مذهب الشافعي ومن حكى عنه غيره فقد أخطأ ولله تعالى في كل واقعة حكم سابق على اجتهاد المجتهدين وفكر الناظرين، ثم اختلفوا أعليه دليل أم هو كدفين يصيبه من شاء الله تعالى ويخطئه من شاءه، والصحيح أن عليه أمارة. واختلف القائلون بأن عليه أمارة في أن المجتهد هل هو مكلف بإصابة الحق أو لا لأن الإصابة ليست في وسعه والصحيح الأول لإمكانها ثم اختلفوا فيما إذا أخطأ الحق هل يأثم والصحيح لا يأثم بل له أجر لبذله وسعه في طلبه. وقال النبي ﷺ:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد". وقيل: يأثم لعدم إصابته المكلف بها. وأما المسألة التي يكون فيها قاطع من نص أو إجماع واختلف فيها لعدم الوقوف عليه فالمصيب فيها واحد بالإجماع وإن دق مسلك ذلك القاطع وقيل على الخلاف فيما لا قاطع فيها وهو غريب ثم إذا أخطأه نظر فإن لم يقصر وبذل المجهود في طلبه ولكن تعذر عليه الوصول إليه فهل يأثم فيه مذهبان، وأصحهما المنع والثاني نعم ومتى قصر المجتهد في اجتهاده أثم وفاقًا لتركه الواجب عليه من بذله وسعه فيه.