في قرينه وتكويرهما بعضهما على بعض وما يحدثه عن ذلك من العجائب المبدعات والآيات البينات بإحكام متناسق وحكم مستمرة الوجود إلى غير ذلك من سائر أفعاله المتقنة وبدائعه المحكمة، ممّا يكلّ دونه النظر وينحسر دونه البصر ويزيد على القول ويربو على الوصف ولا يدرك كنهه العقول ولا يحيط به سوى اللوح المحفوظ، وأول موضع وقع فيه وهو العزيز الحكيم في سورة إبراهيم. وأما مطلق العزيز الحكيم فأول ما وقع في البقرة في دعاء إبراهيم لأهل مكة.
قال في اللباب: والعزيز هو الغالب الذي لا يغلب والحكيم هو العليم الذي لا يجهل شيئًا وهما بهذين التفسيرين صفة للذات وإن أريد بالعزيز أفعال العزة وهو الامتناع من استيلاء الغير عليه، وأريد بالحكمة أفعال الحكمة لم يكونا من صفات الذات بل من صفات الفعل والفرق بينهما أن صفات الذات أزلية وصفات الفعل ليست كذلك.
وقوله تعالى:(﴿سبحان ربك رب العزة عما يصفون﴾)[الصافات: ١٨] من الولد والصاحبة والشريك وثبت لأبي ذر والأصيلي عما يصفون، وأضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلا وهو ربها ومالكها كقوله: ﴿تعز من تشاء﴾ [آل عمران: ٢٦] وقوله تعالى: ﴿ولله العزة ولرسوله﴾ [المنافقون: ٨]) أي ولله المنعة والقوة ولمن أعز من رسوله والمؤمنين، وعزة كل واحد بقدر علو مرتبته فعزة الرسول بما خصّه الله به من الخصائص التي لا تحصى، والبراهين التي لا تستقصى، وعزة المؤمنين بما ورثوه من العلم النبوي وهم في ذلك متفاوتون بقدر ميراثهم من ذلك العلم والهداية للخلق إلى الحق، والعزيز من لا تناله أيدي الشياطين ولا تبلغه رعونات الشهوات فتذلل هداك الله لعزته وتضاءل لعظمته، وتضرّع إليه في خلواتك عساه يهب لك عزًّا لا ذلّ يصحبه وشرفًا لا ضعة تتخلله ثم تذلل لأوليائه وأهل طاعته وتعزّز على كل جبار عنيد (ومن حلف بعزة الله وصفاته). والعزة تحتمل كما قال ابن بطال: أن تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة فيحنث وأن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته فلا يحنث. نعم إذا أطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وانعقدت اليمين وللمستملي وسلطانه بدل قوله وصفاته.
(وقال أنس)﵁ في حديث موصول سبق في تفسير سورة ق (قال النبي ﷺ: تقول جهنم) تنطق كإنطاق الجوارح (قط قط) بفتح القاف وكسر الطاء أو سكونها فيهما أي حسب (وعزتك) مجرور بواو القسم.
(وقال أبو هريرة) في حديث سبق موصولاً في الرقاق (عن النبي ﷺ) أنه قال (يبقى رجل) اسمه جهينة (بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة فيقول: رب) ولأبي ذر يا رب (اصرف وجهي عن النار) زاد في أواخر الرقاق فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسأل غيره فيقول (لا وعزتك لا أسألك غيرها) أي غير هذه المسألة.
(قال أبو سعيد) الخدري (إن رسول الله ﷺ قال: قال الله ﷿ لك ذلك وعشرة أمثاله)