للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سمى زيدًا ولم يسم عمرًا فلا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، وإنما الخفاء فيما ذهب إليه بعض أصحابنا من أن الاسم نفس المسمى، وفيما ذكره الشيخ الأشعري من أن أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام: ما هو نفس المسمى مثل الله الدال على الوجود أي الذات الكريمة وما هو غيره كالخالق والرازق ونحو ذلك مما يدل على فعل وما لا يقال إنه هو ولا غيره كالعالم والقادر، وكل ما دل على الصفات القديمة. وأما التسمية فغير الاسم والمسمى وتوضيحه أنهم يريدون بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله، كما يريدون بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلوله، وكما يقولون: إن القراءة حادثة والمقروء قديم فالأصحاب اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمى للقطع بأن مدلول الخالق شيء ناله الخلق لا نفس الخلق، ومدلول العالم شيء ناله العلم لا نفس العلم، والشيخ أخذ المدلول أعم واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة، فزعم أن مدلول الخالق الخلق وهو غير الذات ومدلول العالم العلم وهو لا عين ولا غير وتمسكوا في ذلك بالعقل والنقل.

أما العقل؛ فلأنه لو كانت الأسماء غير الذات لكانت حادثة فلم يكن الباري تعالى في الأزل إلهًا وعالِمًا وقادرًا ونحو ذلك وهو مُحال بخلاف الخالقية فإنه يلزم من قدمها قدم المخلوق إذا أريد الخالق بالفعل كالقاطع في قولنا السيف قاطع عند الوقوع بخلاف قولنا السيف قاطع في الغمد بمعنى أن من شأنه ذلك فإن الخالق حينئذٍ معناه له الاقتدار على ذلك.

وأما النقل؛ فلقوله تعالى: ﴿سبح اسم ربك﴾ [الأعلى: ١] والتسبيح إنما يكون للذات دون اللفظ، وقوله تعالى: ﴿ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها﴾ [يوسف: ٤٠] وعبادتهم إنما هي للأصنام التي هي المسميات دون الأسامي، وأما التمسك بأن الاسم لو كان غير المسمى لما كان قولنا محمد رسول الله حكمًا بثبوت الرسالة له بل لغيره فشبهة واهية فإن الاسم وإن لم يكن نفس المسمى لكنه دالٌّ عليه ووضع الكلام على أن تذكر الألفاظ وترجع الأحكام إلى المدلولات كقولنا: زيد كاتب أي مدلول زيد متصف بمعنى الكتابة، وقد ترجع بمعونة القرينة إلى نفس اللفظ كما في قولنا: زيد مكتوب وثلاثي ومعرب ونحو ذلك.

وأجيب: عن الأول: بأن الثابت في الأزل معنى الإلهية والعلم ولا يلزم من انتفاء اسم بمعنى اللفظ انتفاء ذلك المعنى، وعن الثاني بأن معنى تسبيح الاسم تقديسه وتنزيهه عن أن يسمى به الغير أو عن أن يفسر بما لا يليق به أو عن أن يذكر على غير وجه التعظيم أو هو كناية عن تسبيح الذات كما في قولهم: سلام على المجلس الشريف والجناب المنيف، وفيه من التعظيم والإجلال ما لا يخفى أو لفظ الاسم مقحم كما في قول الشاعر:

ثم اسم السلام عليكما

ومعنى عبادة الأسماء أنهم يعبدون الأصنام التي ليس فيها من الإلهية إلا مجرد الاسم كمن

<<  <  ج: ص:  >  >>