وما يصدر عنها. وقال أبو مسلم: المعنى ويحذركم الله نفسه أن تعصوه فتستحقوا عقابه وعبر هنا بالنفس عن الذات جريًا على عادة العرب كما قال الأعشى:
يومًا بأجود نائلاً منه إذا … نفس الجبان تحمدت سوالها
وقال بعضهم: الهاء في نفسه تعود على المصدر المفهوم من قوله: لا تتخذوا أي ويحذركم الله نفس الاتخاذ والنفس عبارة عن وجود الشيء وذاته. وقال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ النفس في القرآن بمعنى العلم بالشيء والشهادة كقوله تعالى: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ يعني علمه فيكم وشهادته عليكم وبمعنى البدن قال تعالى: ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ [آل عمران: ١٨٥] وبمعنى الهوى قال تعالى: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾ [يوسف: ٥٣] يعني الهوى وبمعنى الروح قال تعالى: ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ [الأنفال: ٥٣] أي أرواحكم اهـ.
والفائدة في ذكر النفس أنه لو قال ويحذركم الله كان لا يفيد أن الذي أريد التحذير منه هو عقاب يصدر من الله تعالى أو من غيره، فلما ذكر النفس زال ذلك ومعلوم أن العقاب الصادر عنه يكون أعظم العقاب لكونه قادرًا على ما لا نهاية له.
(وقوله) ولأبي ذر وقول الله (جل ذكره: ﴿تعلم ما في نفسي﴾) ذاتي (﴿ولا أعلم ما في نفسك﴾ [المائدة: ١١٦]) ذاتك فنفس الشيء ذاته وهويته والمعنى تعلم معلومي ولا أعلم معلومك. وقال في اللباب لا يجوز أن تكون تعلم عرفانية لأن العرفان يستدعي سبق جهل أو يقتصر به على معرفة الذات دون أحوالها فالمفعول الثاني محذوف أي تعلم ما في نفسي كائنًا وموجودًا على حقيقته لا يخفى عليك منه شيء وقوله ولا أعلم، وإن كان يجوز أن تكون عرفانية إلا أنها لما صارت مقابلة لما قبلها كانت مثلها اهـ.
وقال البيهقي: النفس في كلام العرب على أوجه منها الحقيقة كما يقولون في نفس الأمر وليس للأمر نفس منفوسة ومنها الذات قال: وقد قيل في قوله تعالى: ﴿تعلم ما في نفسي﴾ أن معناه ما أكنّه أسرّه ولا أعلم ما تسرّه عني وقيل ذكر النفس هنا للمقابلة والمشاكلة، وعورض بالآية التي في أوّل الباب إذ ليس فيها مقابلة.
وبه قال:(حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قاضي الكوفة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود ﵁(عن النبي ﷺ) أنه (قال):