لم تصدقوني (فاقرؤوا: ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها﴾ [النساء: ٤٠]) يضاعف ثوابها وأنّث ضمير المثقال لكونه مضافًا إلى مؤنث والتجزئ المذكور هنا شيء زاد على مجرد الإيمان الذي هو التصديق الذي لا يتجزأ فالزائد عليه يكون بعمل صالح كذكر خفي أو عمل من أعمال القلوب من شفقة على مسكين أو خوف منه تعالى أو نيّة صالحة أو غير ذلك (فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار) تعالى. قال الحافظ ابن حجر: قرأت في تنقيح الزركشي إن قوله فيقول الله زيادة ضعيفة لأنها غير متصلة قال، وهذا غلط منه فإنها متصلة هنا ثم إن لفظ حديث أبي سعيد هنا ليس كما ساقه الزركشي، وإنما فيه فيقول الجبار (بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج) تعالى (أقوامًا) وهم الذين معهم مجرد الإيمان ولم يأذن فيهم بالشفاعة حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة بعدها معجمة احترقوا (فيلقون) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف (في نهر بأفواه الجنة) جمع فوّهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها والمراد هنا مفتتح مسالك قصور الجنة (يقال له ماء الحياة) وسقط لأبي ذر لفظ ماء (فينبتون في حافتيه) تثنية حافة بتخفيف الفاء أي جانبي النهر (كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة اسم جامع لحبوب البقول (في حميل السيل) ما يحمله من نحو طين فإذا اتفقت فيه الحبة واستقرت على شط مجرى السيل نبتت في يوم وليلة فشبه به لسرعة نباته وحسنه (قد رأيتموها إلى جانب الصخرة إلى) ولأبي ذر وإلى (جانب الشجرة فما كان إلى) جهة (الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى) جهة (الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ) بياضًا ونضارة (فيجعل) بضم التحتية وفتح العين (في رقابهم الخواتيم) شيء من ذهب أو غيره علامة يعرفون بها (فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه) في الدنيا (ولا خير قدموه) فيها بل برحمته تعالى ومجرد الإيمان دون أمر زائد من عمل صالح (فيقال لهم) إذا نظروا في الجنة إلى أشياء ينتهي إليها بصرهم (لكم ما رأيتم ومثله معه).
وفيه: أن جماعة من مذنبي هذه الأم يعذبون بالنار، ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافًا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة، وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وإن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى الساق، وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون على ما ورد في حديث أبي سعيد بلفظ: يموتون فيها إماتة فيكون عذابهم فيها إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلاً ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول حديث أبي سعيد بأنه ليس المراد أنه يحصل لهم الموت حقيقة، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق أو كنى عن النوم بالموت، وقد سمى الله النوم وفاة.
والحديث سبق في تفسير سورة النساء، لكن باختصار في آخره قال البخاري بالسند إليه.