للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووعيده، فإذا عرفوا كيفية التكليف وعرفوا ما في الفعل من الوعد وفي الترك من الوعيد سهل فعله عليهم والتفكّر في أسرار مخلوقاته تعالى، وأما الذكر بالجوارح فهو عبارة عن كون الجوارح مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها فقوله تعالى: ﴿فاذكروني﴾ تضمن جميع الطاعات ولهذا قال سعيد بن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي فأجمله حتى يدخل الكل فيه. وقال ابن عباس فيما ذكره السفاقسي: ما من عبد يذكر الله تعالى إلا ذكره الله تعالى لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذابه، وقيل المراد ذكره باللسان وذكره بالقلب عندما يهم العبد بالسيئة فيذكر مقام ربه. وقال قوم: إن هذا الذكر أفضل وليس كذلك بل ذكره بلسانه، وقوله لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه أعظم من ذكره بالقلب دون اللسان.

وذكر البدر الدماميني أنه سمع شيخه ولي الدين بن خلدون يذكر أنه كان بمجلس شيخه ابن عبد السلام شارح ابن الحاجب الفرعي وهو يتكلم على آية وقع فيها الأمر بذكر الله ورجح أن يكون المراد بالذكر اللساني لا القلبي، فقال له الشريف التلمساني: قد علم أن الذكر ضد النسيان وتقرر في محله أن الضد إذا تعلق بمحل وجب تعلق ذلك الضد الآخر بعين ذلك المحل ولا نزاع في أن النسيان محله القلب فليكن الذكر كذلك عملاً بهذه القاعدة، فقال له ابن عبد السلام على الفور: يمكن أن يعارض هذا بمثله فيقال قد علم أن الذكر ضد الصمت ومحل الصمت اللسان، فليكن الذكر كذلك عملاً بهذه القاعدة انتهى.

وقوله تعالى: (﴿واتل عليهم نبأ نوح﴾) خبره مع قومه (﴿إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر﴾) عظم (﴿عليكم مقامي﴾) مكاني يعني نفسه أو قيامي مكاني بين أظهركم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو من باب الإسناد المجازي كقولهم ثقل عليّ ظله (﴿وتذكيري بآيات الله﴾) لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بيّنّا وكلامهم مسموعًا (﴿فعلى الله توكلت﴾) جواب الشرط وتاليه عطف عليه وهو قوله (﴿فأجمعوا أمركم وشركاءكم﴾) أي مع شركائكم (﴿ثم لا يكن أمركم عليكم غمة﴾) فسر بالسترة من غمه إذا ستره، والمعنى حينئذٍ ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورًا عليكم وليكن مكشوفًا مشهورًا تجاهرونني به (﴿ثم اقضوا إليّ﴾) ذلك الأمر الذي تريدون بي (﴿ولا تنظرون﴾) ولا تمهلون (﴿فإن توليتم﴾) فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي (﴿فما سألتكم من أجر﴾) فأوجب التولي (﴿إن أجري إلا على الله﴾) وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة أي ما فصحتكم إلا لله لا لغرض من أغراض الدنيا (﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ [يونس: ٧١، ٧٢]) أي من المستسلمين لأوامره ونواهيه، وسقط لأبي ذر من قوله: ﴿وتذكيري بآيات الله﴾ الخ وقال إلى قوله: ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ وقوله: ﴿غمة﴾ فسره بقوله: ﴿همّ وضيق﴾ وقال في اللباب: يقال غم وغمة نحو كرب وكربة. قال أبو الهيثم: غمّ علينا الهلال فهو مغموم إذا التمس فلم ير، قال طرفة بن العبد:

لعمرك ما أمري عليّ بغمة … نهاري ولا ليلي عليّ بسرمدي

<<  <  ج: ص:  >  >>