(باب قول الله تعالى ﴿والله خلقكم﴾) أي أتعبدون من الأصنام ما تنحتونها وتعملونها بأيديكم والله خلقكم (﴿وما تعملون﴾ [الصافات: ٩٦]) أي وخلق عملكم وهو التصوير والنحت كعمل الصائغ السوار أي صاغه فجوهرها بخلق الله وتصوير أشكالها وإن كان من عملهم فبخلقه تعالى أقدارهم على ذلك، وحينئذٍ فما مصدرية على ما اختاره سيبويه لاستغنائها عن الحذف والإضمار منصوبة المحل عطفًا على الكاف والميم في خلقكم، وقيل: هي موصولة بمعنى الذي على حذف الضمير منصوبة المحل عطفًا على الكاف والميم من خلقكم أيضًا أي أتعبدون الذي تنحتون والله خلقكم وخلق الذي تعملونه بالنحت، ويرجح كونها بمعنى الذي ما قبلها وهو قوله تعالى: ﴿أتعبدون ما تنحتون﴾ [الصافات: ٩٥] توبيخًا لهم على عبادة ما عملوه بأيديهم من الأصنام لأن كلمة ما عامة تتناول ما يعملونه من الأوضاع والحركات والمعاصي والطاعات وغير ذلك، فإن المراد بأفعال العباد المختلف في كونها بخلق العبد أو بخلق الرب ﷿ هو ما يقع بكسب العبد ويسند إليه مثل الصوم والصلاة والأكل والشرب والقيام والقعود ونحو ذلك، وقيل إنها استفهامية منصوبة المحل بقوله تعملون استفهام توبيخ وتحقير لشأنها وقيل نكرة موصوفة حكمها حكم الموصوف، وقيل نافية أي إن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون ذلك لكن الله هو خالقه، والذي ذهب إليه أكثر أهل السُّنّة أنها مصدرية.
وقال المعتزلة: إنها موصولة محاولة لمعتقدهم الفاسد وقالوا التقدير أتعبدون حجارة تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة التي تعملونها. قال السهيلي في نتائج الفكر: ولا يصح ذلك من جهة النحو إذ ما لا يصح أن تكون مع الفعل الخاص إلا مصدرية فعلى هذا فالآية ترد مذهبهم وتفسد قولهم والنظم على قول أهل السُّنَّة أبدع.
فإن قيل: قد تقول عملت الصحفة وصنعت الجفنة وكذا يصح عملت الصنم قلنا: لا يتعلق ذلك إلا بالصورة التي هي التركيب والتأليف وهي الفعل الذي هو الأحداث دون الجواهر بالاتفاق ولأن الآية وردت في إثبات استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون. فقال: أتعبدون ما لا يخلق وتدعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون، ولو كان كما زعموا لما قامت الحجة من هذا الكلام لأنه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق الأجناس لشركهم معه في الخلق تعالى الله عن إفكهم.
وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد قال الله تعالى: ﴿ذلكم الله ربكم خالق كل شيء﴾ [غافر: ٦٢] فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر وقال تعالى: ﴿أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار﴾ [الرعد: ١٦] فنفى أن يكون خالق غيره ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض شيء وهو بخلاف الآية ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال لكان مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله تعالى الله عن ذلك.