والآخر امتنعا من الأكل (فقال) أبو موسى له (هلم) تعال (فلأحدثك عن ذاك) أي فوالله لأحدّثك أي عن الطريق في حل اليمين وفي أصل اليونينية فلأحدّثك بسكون اللام والمثلثة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلأحدّثنّك بنون التأكيد عن ذلك باللام قبل الكاف (إني أتيت النبي ﷺ في نفر من الأشعريين) ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال (نستحمله) نطلب منه أن يحملنا ويحمل أثقالنا في غزوة تبوك على شيء من الإبل (قال) صلوات الله وسلامه عليه:
(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) أي عليه (فأتي النبي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (ﷺ بنهب إبل) من غنيمة (فسأل عنا فقال: أين النفر الأشعريون) فأتينا (فأمر لنا بخمس ذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة وهو من الإبل ما بين الثنيتين إلى التسعة وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة واللفظة مؤنثة لا واحد لها من لفظها كالنعم. وقال أبو عبيد: الذود من الإناث دون المذكور وفي غزوة تبوك ستة أبعرة وفي الأيمان والنذور بثلاثة ذود ولا تنافي في ذلك لأن ذكر عدد لا ينافي غيره وقوله خمس بالتنوين وفي رواية بغير تنوين على الإضافة واستنكره أبو البقاء في غريبه، وقال: والصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلاً من خمس فإنه لو كان بغير تنوين لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون خمس خمسة عشر بعيرًا لأن الإبل الذود ثلاثة، وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: ما أدري كيف حكم بفساد المعنى إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا فما الذي يضر، وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين القرينين إلى أن عدست مرات، والذي قاله إنما يتم أن لو جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة (غرّ الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والذرى بالذال المعجمة المضمومة وفتح الراء ذروة وهي أعلى كل شيء أي ذوي الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن.
(ثم انطلقنا قلنا ما صنعنا) بسكون العين (حلف رسول الله ﷺ لا يحملنا) ولأبي ذر أن لا يحملنا (وما عنده ما يحملنا ثم حملنا) بفتح اللام في الأخير (تغفلنا رسول الله ﷺ يمينه) بسكون اللام أي طلبنا غفلته وكنا سبب ذهوله عما وقع (والله لا نفلح أبدًا فرجعنا إليه) صلوات الله وسلامه عليه (فقلنا له) ذلك (فقال: لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم) حقيقة لأنه خالق أفعال العباد.
وهذا مناسب لما ترجم به. وقال ابن المنير: الذي يظهر أن النبي ﷺ حلف لا يحملهم فلما حملهم راجعوه في يمينه فقال: ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فبيّن أن يمينه إنما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملك ملكًا خاصًّا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه هذا مع قصده ﵊ في الأوّل أنه لا يحملهم على ما لا يملك بقرض يتكلفه ونحو ذلك. وأما قوله ﷺ عقب ذلك لا أحلف على يمين الخ فتأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت