للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومن لبيان الجنس. وقال الأبّي نعم هي كالوحي في الصحة إذ لا مدخل للشيطان فيها. وفي رواية مسلم كالمصنف في رواية معمر ويونس الصادقة وهي التي ليست فيها ضغث، وذكر النوم بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح والبيان، أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين فهو ْصفة موضحة أو لأن غيرها يسمى حلمًا، أو تخصيص دون السيئة والكاذبة المسماة بأضغاث الأحلام، وأهل المعاني يسمونها صفة فارقة. وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر فيما حكاه البيهقي.

وحينئذ فيكون ابتداء النبوّة بالرؤيا حصل في شهر ربيع وهو شهر مولده. واحترز بقوله من الوحي عما رآه من دلائل نبوّته من غير وحي كتسليم الحجر عليه كما في مسلم، وأوّله مطلقًا ما سمعه من بحيرا الراهب كما في الترمذي بسند صحيح. (فكان) بالفاء للأصيلي ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر وفي نسخة للأصيلي، وكان أي النبي (لا يرى رؤيا) بلا تنوين (إلا جاءث مثل فلق الصبح) كرؤياه دخول المسجد الحرام، ومثل نصب بمصدر محذوف، أي إلاّ جاءت مجيئًا مثل فلق الصبح، والمعنى أنها شبيهة له في الضياء والوضوح أو التقدير مشبهة ضياء الصبح، فيكون النصب على الحال، وعبر بفلق الصبح لأن شمس النبوّة قد كانت مبادئ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها، والفلق: الصبح. لكنه لما كان مستعملاً في هذا المعنى وغيره أضيف إليه للتخصيص، والبيان إضافة العام إلى الخاص. وعن أمالي الرافعي حكاية خلاف أنه أوحي إليه شيء من القرآن في النوم أولاً. وقال: الأشبه أن القرآن نزل كله يقظة، ووقع في مرسل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه هو جبريل. ولفظه أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك﴾ أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام هو جبريل استعلن، وإنما ابتدئ بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوّة بغتة فلا تحتمل القوى البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة. (ثم حبب إليه الخلاء) بالمد مصدر بمعنى الخلوة أي الاختلاء وهو بالرفع نائب عن الفاعل، وعبر بحبب المبني لما لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كلٌّ من عند الله، أو تنبيهًا على أنه لم يكن من باعث البشر، وإنما حبب إليه الخلوة لأن معها فراغ القلب والانقطاع عن الخلق ليجد الوحي منه متمكنًا كما قيل: فصادق قلبًا خاليًا فتمكّنا.

وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا وتفرغه لله تعالى فيتفجر منه ينابيع الحكمة، والخلوة: أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقًا بأن يكون قالبه ممرًّا لواردات علوم الغيب، وقلبه مقرًّا لها. وخلوته إنما كانت لأجل التقرب لا على أن النبوّة مكتسبة. (وكان) (يخلو بغار حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد، وحكى الأصيلي فتحها والقصر وعزاها في القاموس للقاضي عياض، قال: وهي لغية وهو مصروف إن أُريد المكان وممنوع إن أريد البقعة، فهي أربعة: التذكير والتأنيث والمد والقصر، وكذا حكم قباء وقد نظم بعضهم أحكامها في بيت فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>