(إذا سمعتم الإقامة) للصلاة (فامشوا إلى الصلاة)، وإنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها، لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى، وفي رواية همام: إذا نودي بالصلاة فأتوها وأنتم تمشون. (وعليكم بالسكينة) أي بالتأنّي في الحركات واجتناب العبث (والوقار) في الهيئة: كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، أو الكلمتان بمعنى واحد، والثاني تأكيد للأوّل.
وللأربعة وعزاها ابن حجر لغير أبي ذر: وعليكم السكينة والوقار، بغير موحدة يجوز فيهما الرفع والنصب كما سبق آنفًا مع جواب استشكال دخول حرف الجرّ على السكينة المتعدي بنفسه، وقول ابن حجر لا يلزم من كونه يتعدّى بنفسه امتناع تعديته بالباء، تعقبه العيني بأن نفي الملازمة غير صحيح انتهى.
وراء والوقار فيها الحركات الثلاثة كالسكينة في أحوالها الثلاثة للعطف عليها وذكر الإقامة تنبيهًا على غيرها، لأنه إذا نهى عن إتيانها مسرعًا في حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فما قبلها أولى (ولا تسرعوا) بالإقدام ولو خفتم فوات تكبيرة الإحرام أو غيرها، ولو فاتت الجماعة بالكلية فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والإجلال والخضوع، فالمقصود من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئًا. والأعمال بالنيّات، وعدم الإسراع مستلزم لكثرة الخطأ وهو معنى مقصود بالذات وردت فيه أحاديث صحيحات.
وفي مسلم: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة، ففيه إشارة كما مر أن يتأدب بآداب الصلاة.
فإذن قلت إن الأمر بالسكينة معارض بقوله تعالى في الجمعة ﴿فاسعوا إلى ذكر الله﴾ أجيب: بأنه ليس المراد من الآية الإسراع، بل المراد الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول سعيت في أمري.
(فما أدركتم) أي إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة والوقار، وعدم الإسراع فما أدركتم مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه، وقد حصلت فضيلة الجماعة بالجزء المدرك منها (وما فاتكم) منها (فأتموا) أي أكملوه وحدكم. كذا في أكثر الروايات بلفظ: فأتموا. وفي بعضها: فاقضوا.
والأول هو الصحيح في رواية الزهري.
ورواه ابن عيينة بالثاني، وبه استدل الحنفية بأن ما أدرك المأموم مع الإمام هو آخر صلاته فيستحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة مع الفاتحة.
وبالأول أخذ الشافعية على أنها أوّلها، لكنه يقضي بمثل الذي فاته من قراءة السورة مع الفاتحة في الرباعية، ولم يستحبوا إعادة الجهر في الأخيرتين، أو ما يأتي به آخرها، لأن الإتمام لا يكون إلاّ