ليتني (أكون حيًّا إذ يخرجك قومك) من مكة، واستعمل إذ في المستقبل كإذا على حد: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [مريم: ٣٩]. قال ابن ملك: وهو صحيح، وتعقبه البلقيني بأن النحاة منعوا وروده وأوّلوا ما ظاهره ذلك، فقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالّة على المضي لتحقق وقوعه، فأنزلوه منزلته. ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير حين يخرجك قومك وهو على سبيل المجاز كالأوّل، وعورض بأن المؤولين ليسوا النحويين بل البيانيون، وبأنه كيف يمنع وروده مع وجوده في أفصح الكلام؟ وأجيب بأنه لعله أراد بمنع الورود ورودًا محمولاً على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال.
فإن قلت: كيف تمنى ورقة مستحيلاً وهو عود الشباب؟ أجيب: بأنه يسوغ تمني المستحيل إذا كان في فعل خير، أو بأن التمني ليس مقصودًا على بابه، بل المراد به التنبيه على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوّة تصديقه فيما يجيء به، أو قاله على سبيل التحسّر لتحقّقه عدم عود الشباب. (فقال رسول الله ﷺ: أو) بفتح الواو (مخرجيَّ هم) بتشديد الياء مفتوحة، لأن أصله مخرجوني جمع مخرج من الإخراج فحذفت نون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلم، فاجتمعت ياء المتكلم وواو علامة الرفع وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت، ثم أبدلت الضمة التي كانت سابقة الواو كسرة وفتحت ياء مخرجيّ تخفيفًا، وهم مبتدأ خبره مخرجيّ مقدمًا، ولا يجوز العكس لأنه يلزم منه الإخبار بالمعرفة عن النكرة، لأن إضافة مخرجيّ غير محضة لأنها لفظية لأنه اسم فاعل بمعنى الاستقبال، والهمزة للاستفهام الإنكاري لأنه استبعد إخراجه عن الوطن لا سيما حرم الله وبلد أبيه إسماعيل من غير سبب يقتضي ذلك، فإنه ﷺ كان جامعًا لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه وإنزاله منهم محل الروح من الجسد.
فإن قلت: الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف نحو: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُون﴾ [الأنعام: ٩٥] و ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُون﴾ [التكوير: ٢٦] وحينئذ ينبغي أن يقول هنا وأمخرجيّ، لأن العاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف؟ أجيب: بأن الهمزة خصّت بتقديمها على العاطف تنبيهًا على أصالتها في أدوات الاستفهام وهو له الصدر نحو: أو لم ينظروا، أفلم يسيروا، هذا مذهب سيبويه والجمهور. وقال جار الله وجماعة: إن الهمزة في محلها الأصلي وإن العطف على جملة مقدّرة بينها وبين العاطف والتقدير أمعاديّ هم ومخرجيّ هم؟ وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر.
فإن قلت: كيف عطف قوله أو مخرجيّ هم وهو إنشاء على قول ورقة: إذ يخرجك قومك وهو خبر، وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، وأيضًا فهو عطف جملة على جملة والمتكلم مختلف؟ أجيب بأن القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز إنما هو رأي أهل البيان، والأصح عند أهل العربية جوازه، وأما أهل البيان فيقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو وهي المعطوف عليها، فالتركيب سائغ عند الفريقين، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح، وأما المانعون فعلى التقدير المذكور. وقال بعضهم: يصح أن تكون جملة الاستفهام معطوفة على جملة التمني في قوله