فهذا زعم أن أمه زعمت أنه ولد نجيب, وأنه سيكون له شأن عظيم. والشاعر ذكر أن الممدوح لم تدر أمه مقدار من ولدت منه, وليست هي بالمملوكة؛ لأنها ولدت أمرأً عظيماً لم تجر العادة بأن يولد مثله.
وقوله:
وإن منيته عنده ... لكالخمر سقيه كرمه
ذكر الخمر, والغالب عليها التأنيث, لأن تأنيثها ليس بحقيقي. وقد ذكرها الأعشى في قوله:[الخفيف]
وكأن الراح الذكي من الإسـ ... ـفنط ممزوجةً بماءٍ زلال
فقال: الذكي, وإنما ذكرها على معنى الشراب. يقول: هذا الميت كان شجاعًا يقتل أعاديه وكأنه منية وأصل للمنون. فالحتف الذي سقيه كأنه خمر سقيها كرم, وهي من الكرم معتصرة, فكأنه لها والد وأصل.
وقوله:
فذاك الذي عبه ماؤه ... وذاك الذي ذاقه طعمه
يقال: عب الماء عباً وعب فيه إذا جرعه جرعًا متتابعًا. قال الراجز:[الرجز]
يكرع فيها فيعب عبا ... مجبياً في مائها منكبا
يقول: هذا الهالك إنما شرب ماء نفسه, والذي ذاق إنما هو طعمه؛ لأنه كان يذيق عداته من الموت.