من شأن الذين يجاهدون في سبيل الله إذا وقفوا شيئًا على الجهاد أن يجعلوه محبسًا على ذلك, لا يد لغيره في إخراجه إلى سواه. واكتفى بذكره الجهاد عن ذكره الوقف, وإذا وسم الفرس أو كتب على السيف حبيس فالأحسن أن يكون مرفوعًا, كأنه قال: هذا الشيء حبيس, فهو خبر مبتدأ محذوفٍ, وقائل البيت جعل حبيسًا مفعولًا؛ لأنه ذهب مذهب كلمةٍ واحدةٍ أخبر عن كتابها, فليس قبلها شيء محذوف, كما يقال للرجل: اكتب عمرًا, فيكتب الكلمة مجردةً من سواها.
[ومن أبيات أولها]
ألذ من المدام الخندريس ... وأحلى من معاطاة الكؤوس
وهي من الضرب الأول من الوافر في قول الخليل, وفي قول غيره من السحل الرابع.
الخندريس: من صفات الخمر, وأصلها رومي, ويقال: إن معناها: القديمة المعتقة, وحكى الأصمعي أن الخندريس الحنطة العتيقة, والمعاطاة المفاعلة من (عطا يعطو) إذا تناول, والظبية تعطو البرير وورق الشجر, أي: تناوله, وقال امرؤ القيس: [الطويل]
وتعطو برخصٍ غير شتنٍ كأنه ... أساريع ظبيٍ أو مساويك إسحل
والكؤوس: جمع كأس, يقال للإناء: كأس, ولما فيه من الشراب: كأس.
وقوله:
معاطاة الصفائح والعوالي ... وإقحامي خميسًا في خميس
الإقحام: من قولهم: أقحم الشيء في الشيء إذا أدخله فيه, وأقحم نفسه في المهلكة إذا رمى بها فيها. ويقال: اقتحم أيضًا, والمقحم من الإبل الذي يلقي سنين في سن, مثل أن يربع ويسدس في سنة.