[ومن التي أولها]
ملث القطر أعطشها ربوعا ... وإلا فاسقها السم النقيعا
وهي من أول الوافر على رأي الخليل, ومن أول السحل الرابع في قول غيره.
يقال: ألث القطر: إذا دام, وقد جرت عادة الشعراء أن يستسقوا للربوع, فخالفهم أبو الطيب في هذا الموضع, وذكر العلة في تركه استسقاء الغيث, وسؤاله إياه إن سقاها أن يكون ما يسقيه سمًا نقيعًا؛ وذلك قوله:
أسائلها عن المتديريها ... فلا تدري ولا تذري دموعا
جعل صمتها عن إجابة السائل, وأنها لا تدري ما فعل أهلها ولا تظهر عليهم البكاء, ذنبًا لها يوجب سؤاله الغيب أن يعطشها أو يسقيها نقيع السمام. وهذا من تكذب الشعراء الذي يستحسن ويسوغ في حكم النظم, وهو مجانس لقول الآخر: [البسيط]
إذا سقى الله أرضًا صوب غاديةٍ ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم
إلا أن هذا القائل ذم هذه (١١٠/ب) البلاد؛ لأنها ليست منازل أحبابٍ فقال: [البسيط]
لا حبذا أنت يا صنعاء من بلدٍ ... ولا شعوب هوًى مني ولا نقم
ولن أحب بلادًا قد رأيت بها ... عنسًا ولا بلدًا حلت به قدم
والهاء في المتديريها, على مذهب بعض النحويين, في موضع نصبٍ, ولا يمتنع أن تكون مخوضةً, وبعضهم يختار الخفض لا غير, وقوم يعادلون بين الوجهين. ويقال: أذرى الدمع يذريه إذا ذرفه من عينيه, وهو من أذرته الريح.
وقوله:
لحاها الله إلا ماضييها ... زمان اللهو والخود الشموعا