كان هذا اليهودي رأى رجلًا فعرفه, وهو أبو الممدوح؛ لأنه كان قد استخفى فقال الشعر. لا تلومن اليهودي, إنما حسن أن يذكر اللوم هاهنا لأن معرفة اليهودي بالمستخفي جائز أن تؤدي إلى غير ما يريد, فقد استحق اللوم من الذي كان له غرض في إخفاء نفسه, ولولا هذا التأويل لكان هذا الموضع يليق بأن يقال: لا تحمدن اليهودي؛ لأنه واجب أن يعرف الشمس كما عرفها غيره من العالم.
وقوله:
إنما اللوم على حاسبها ... ظلمةً من بعد ما يبصرها
حاسبها؛ أي: الذي يظنها, والفعل حسب يحسب بكسر السين, ويحسب بفتحها, وعلى الكسر أكثر القراء. وهذا البيت يبين أن اللوم إنما وقع باليهودي لأن أبا الممدوح أراد ألا يعرفه أحد.
[ومن بيتين أولهما]
إنما أحفظ المديح بعيني ... لا بقلبي لما أرى في الأمير
من خصالٍ إذا نظرت إليها ... نظمت لي غرائب المنثور
(٧٥/ب) وهما من أول الخفيف. يقول: إن عجبتم من حفظي لما أقول من المدح فلست أحفظه بقلبي, وإنما أنظر إلى الأمير فأرى الأوصاف التي وصفت بينة في خلقه وخلائقه فأذكر بها ما قلت. والخصال: جمع خصلةٍ, وهي الشيمة التي تكون في الإنسان, إما محمودةً, وإما رديئةً.