[ومن التي أولها]
أحق عافٍ بدمعك الهمم ... أحدث شيء عهدًا بها القدم
الوزن من المنسرح. وعافٍ في البيت من قولهم: عفا الربع إذا اندرس, وكذلك عفا غيره. يقول: أحق عافٍ أن تبكي عليه همم الكرام؛ لأنها عفت كما تعفو الربوع؛ فهي أحق بدمعك من كل العافيات. وجعل القدم أحدث الأشياء عهدًا بالهمم؛ أي إن دروسها قديم؛ فلا همم في الأرض, وقد شرح ذلك فيما بعد هذا البيت فقال:
وإنما الناس بالملوك وما ... تفلح عرب ملوكها عجم
أصل الفلاح: البقاء, ثم صار الناس يستعملونه في كل خيرٍ فيجعلون سعة الرزق فلاحًا, وكذلك قضاء الحاجة, وإذا رام الرجل أمرًا ولم يبلغه قالوا: ما أفلح. ومراد الشاعر: أن ملوك القوم ينبغي أن يكونوا مثلهم ومن خيارهم, وعلى ذلك مضى أكثر اللموك. وإنما كثر في الإسلام أن تكون الملوك من غير العرب فأنكر ذلك القائل هذا البيت.
وقوله:
بكل أرضٍ وطئتها أمم ... ترعى بعبدٍ كأنها غنم
يريد أن ملوك بني العباس وغيرهم صاروا يولون المدائن عبيدهم؛ فيكونون رومًا وتركًا وغير ذلك, ويتفق أن يكون المولى أعجمي اللسان, وكانت الولاة في صدر الإسلام إنما تولي العرب. وقوله: لإي كل أرض وطئتها أمم واليهم عبد, فكأنهم غنم مرعية, وعادتهم أن يرعوا الإبل والغم. وقد بين الشاعر هذا الغرض في غير هذا الموضع فقال: [البسيط]
سادات كل أناسٍ من سراتهم ... وسادة المسلمين الأعبد القزم
وقوله:
يستخشن الخز حين يلمسه ... وكان يبرى بظفره القلم
يقول: هذا العبد كان شقيًا يمارس شدةً من العيش؛ ثم تنعم؛ فصار إذا لمس الخز زعم أنه خشن, وكان من قبل ولايته يطول أظفاره حتى يصح أن تبرى بها الأقلام. وهذه دعوى