وقد جمع هذا القائل ثلاث جملٍ في بيت يشتمل على آدابٍ ثلاثةٍ لو تأدب بها الناس لكانت المنفعة بها عظيمةً, ولكن الذاكر لها لم يأخذ بها فكيف يأخذ بها سواه؟ ! وذلك قوله: ذكر الفتى عمره الثاني
وقد وهب لأبي الطيب طول عمرٍ منع منه كثير من أهل الحكم. ثم قال:
وحاجته ما قاته
وقد يوجد خلق كثير عنده ما يقوته من المال لسنين كثيرةٍ لا يجوز أن يعيشها مثله, وهو شديد الحرص بين الرغبة في الازدياد, وقال بعد ذلك:
وفضول العيش أشغال
أي إن الإنسان إذا وصل إلى ما يكفيه ففضول عيشه أشغال يشغل بها نفسه وإنه عنها لغني.
وقوله:
غير أن الفتى يلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا
ذكر أن النفوس يصغر مرادها عن إقامة الحرب وعظيم الكلف, ثم استثنى استثناءً كالاعتذار بطلبه ما لا يحتاج إليه, وزعم أن الذي يحمله على ذلك أنفته من الهوان؛ لأن لقاء المنية أخف من لقائه.
وقوله:
ولو أن الحياة تبقى لحي ... لعددنا أضلنا الشجعانا
يقول: لو أن الجبان يسلم من الحمام والشجاع يلقاه لكانت الشجاعة من الضلال. ثم أتبع هذا البيت بما هو له بيان فقال:(٢٣٤/ب)
وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن تكون جبانا
حث بهذا البيت على الشجاعة ونهى عن الجبن؛ وإنما يكون الإنسان كما خلق؛ فإن جعل شجاعاً لم يكن موصوفاً بالجبن, وإن خلق جباناً فليس له إلى الشجاعة سبيل. وقد قال الأول:[البسيط]
لقد علمت فلا أنهاك عن خلقٍ ... ألا يكون امرؤ إلا كما خلقا