وذهب أبو الفتح بن جني - رحمه الله - إلى أن أغلب هاهنا من قولهم: أسد أغلب؛ أي: غليظ العنق, يصف الشوق بالشدة, ويزعم أنه يغالبه, وهو كالليث الأغلب, وهذا المعنى قريب من الأول, إلا أن الذي ذهب إليه أبو الفتح لا يكون فيه إقرار من أبي الطيب أنه مغلوب, وهذا أشبه بمذهبه.
والوجه الثاني فيه إقرار للشوق بالغلبة. وقد أنكر بعض الناس قول أبي الفتح, وليس بمنكرٍ.
وقوله:
ولله سيري ما أقل تئيةً ... عشية شرقي الحدالي وغرب
الحدالي: في موضع رفع بالابتداء, وموضع شرقي نصب على الظرف, وحذف ياء الإضافة من شرقي لالتقاء الساكنين, ويحوز أن يكون الحدالي خبرًا وشرقيّ مبتدأً؛ لأن شرقيّ يجوز أن يكون ظرفًا وغير ظرف. قال جرير:
هبت جنوبًا فذكرى ما ذكرتكم ... عند الصفاة التي شرقي حورانا
فالوجه النصب في (شرقي) حوران, والرفع جائز على أن يكون التقدير: عند الصفاة التي هي شرقي حوران, والحدالي وغرب جبلان, وغرب مذكور في الشعر القديم. قال الشاعر:
ازجر حمارك إنه مستنفر ... في إثر أحمرةٍ عمدان لغرب