للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

صدق المخبر عنك دونك وصفه ... من بالعراق يراك في طرسوسا

معنى هذا البيت أن المخبر عنك لا يوجد كاذبًا؛ لأن وصفه لك دون ما أنت عليه من الفضل والكرم؛ لأن واصف الإنسان إذا غلا في صفته حتى يجاوز ما هو عليه فقد كذب؛ مثل أن يقول: هو يعطي السائل ألف دينارٍ, وتكون عادته أن يعطيه مئةً أو دونها, فهذا كذب لا محالة, فإن قال مخبرًا عمن يعطي ألف دينارٍ: هو يعطي مئةً فقد صدق؛ لأن المئة داخلة في جملة الألف, فهذا وجه له.

ويجوز أن يحمل على أن المخبر عنه يقول: هو فوق وصفي له, فيكون صادقًا في هذا القول.

ونصف البيت الثاني تفسير للنصف الأول؛ كأن الواصف له يقول: رأيته بطرسوس فهذا اقتصاد في الوصف؛ لأنه ادعى أن من بالعراق يراه وهو مقيم بطرسوس, فيراه هاهنا تحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون من رؤية العين فذلك من مبالغة الشعراء وادعائهم ما ليس بكائنٍ, والآخر: أن يكون من رؤية العلم, فهذا جائز أن يكون, وله في حكم الشعر معنى لطيف كأن الواصف قال: رأيته بطرسوس, وهو يريد النظر, فقال السامع: صدقت قد رأيناه بالعراق؛ أي: من رؤية العلم فقد ساويناك في لفظ الرؤية, أي قد صح معنا فضله وجوده.

وقوله:

بلد أقمت به وذكرك سائر ... يشنى المقيل ويكره التعريسا

قد مضى القول في تخفيف الهمزة في مثل يشنأ, وكل ما كان من الهمز في آخر الكلمة وقبله فتحة, وأنه يجوز أن يجعل ألفًا؛ لأن الناطق به في غير الشعر يقف عليه بالسكون, فإذا سكنت الهمزة وقبلها فتحة جاز أن تحول إلى الألف, فإن كان قبلها ضمة مثل قولهم: لؤلؤ جاز أن تجعل واوًا.

وقد فعل ذلك بعض القرء؛ إلا أنها إذا جعلت واوًا لم يجز أن تقلب إلى الياء, كما يفعل ذلك في الواو إذا وقعت طرفًا وقبلها ضمة, مثل قولهم في جمع دلوٍ: أدلٍ, وأصله أدلو, فإن كان قبل الهمزة المتطرفة كسرة جاز أن تجعل ياءً, مثل قولهم: مخطئ ومبطئ؛ إلا أنك إذا نصبت الحرف الذي هي فيه حسن أن تجعلها ياءً من غير ضرورةٍ, فتقول: رأيت مبطيًا ومخطيًا فتجريها مجرى ياء معطٍ, فإن خففتها في حال الرفع والخفض, فجعلتها ياءً لم يجز

<<  <   >  >>