للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأويله، كما يقول كلّ واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم، فإنهم وإن أصابوا في كثير مما يقولونه، ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم. فالكلام على هذا من وجهين:

الأول: من قال: إن هذا من المتشابه، وأنه لا يفهم معناه، فنقول: أما الدليل على [بطلان] ذلك، فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل، ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا: إن الله ينزل كلامًا لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا: كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تمر كما جاءت، ونهوا عن تأويلات الجهمية، وردوها، وأبطلوها، التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه … (١).

والصواب: ما عليه أئمة الهدي، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث، ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين، أهل العلم والإيمان.

والمعاني المفهومة من الكتاب والسُّنَّة لا ترد بالشبهات، فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يعرض عنها، فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربهم يخرون عليها صمًا وعميانًا، ولا يترك تدبر القرآن، فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب إلَّا أماني … (٢).

الوجه الثاني: أنه إذا قيل: هذه من المتشابه، أو كان فيها ما هو من المتشابه، كما نقل عن بعض الأئمة أنه سمى بعض ما استدل به الجهمية متشابهًا، فيقال: الذي في القرآن أنه لا يعلم تأويله إلَّا الله: إما المتشابه، وإما الكتاب كله كما تقدم. ونفي علم تأويله ليس نفي علم معناه … (٣).

وأيضًا فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن؛ آيات الصفات، وغيرها، وفسروها بما يوافق دلالتها وبيانها، ورووا عن النبي أحاديث كثيرة توافق القرآن، وأئمة الصحابة في هذا أعظم من


(١) مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٩٤.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٠٥.
(٣) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>