للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسنُّ للمتوجِّهِ إلى زيارَتِه أن يكثرَ من الاستغفارِ في طريقِه، ومن قراءةِ القرآنِ، ومن التهليلِ، والتسبِيحِ، والتحْمِيدِ، والتكبيرِ، ومن الصلاةِ على النبيِّ البشيرِ النذيرِ كصلاةِ التشهدِ. فعندَ دخولِ المدينةِ المنورةِ يسن أن يغتسلَ، وأن يتطيبَ في بدنِهِ وثيابِهِ، ويلبسَ أفخرَ ثسِابِهِ، ثم يقدُمُهَا بسكينةٍ ووقارٍ (١)، ويقول عند دخولِه: "بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رسُولِ الله ، ﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ (الإسراء: ٨٠) " (٢). ويستحبُّ أن يستحضرَ بقلبِه أنها البلدةُ التي اختارهَا الله تعالَى لأعظمِ خلقِهِ وأفضلِ صفوتهِ، وأنه استوطَنَها له وأظهرَ لهُ دينَه فيهَا، وأن يعلمَ أنها موطئُ أقدامِه الشريفةِ، فحينئذٍ لا يطؤُه إلا متأدِّبًا. ويكرهُ الركوبُ في أزقَّتِها (٣) لغير عذرٍ (٤)؛ لما فيه من (إساءة) الأدبِ.

فإذا وصلَ المسجدَ النبويَّ المطهرَ المصطَفوِيَّ قدَّمَ رجْلَهُ اليمنى عند دخولِه (٥)،


= المقصود للعبادة، ولا ريب أن زيارة القبور عبادة، فكان السفر إليها داخلًا في النهي. ولم يقل أحد من علماء الإسلام السابقين باستحباب السفر لمجرد زيارة قبره من غير أن يقصد الصلاة في المسجد، ولا فعله أحد من السلف. بل كان الصحابة إذا سافروا إلى المدينة صلَّوا في مسجده واجتمعوا بأصحابه، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه كان يذهب حينها للسلام عليه". فإذا كانوا لم يزروه بعد السمر إلى مسجده، فكيف يقصدون السفر إليه؟! انظر: مجموع الفتاوى ٢٧/ ٣٤٤.
(١) انظر: المستوعب ١/ ٦٠٥، الإنصاف ١/ ٢٥١، تحفة الراكع الساجد ١٦٤.
(٢) هذا مأخوذ من أن النبي أنزلت عليه هذه الآية لما أذن له بالهجرة. أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس في كتاب تفسير القرآن، باب سورة بني إسرائيل (٣١٣٩) ٥/ ٣٠٤ وصححه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (٢٩٥٦) ٢/ ٢٦٥، وجاء عند الحاكم عن قتادة قال: "فَأخرجَهُ اللهُ مِن مَكةَ إِلى المدِينَة مُخرَجَ صِدقٍ وَأدخَلَهُ المدِينَةَ مُدخَلَ صِدقٍ" ٣/ ٤، وقد أثر عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقوله إذا دخل بيتًا. أخرجه ابن أبي شيبة (٢٥٨٢١) ٥/ ٢٥٥.
(٣) لما كانت حارات المدينة ضيقة كانوا يسمونها أزقة، لا يزيد عرض الواحدة عن مترين، وهي محيطة بالمسجد النبوي، منها في شمال المسجد: زقاق البقر، وزقاق الخياطين، وزقاق الحبس، وزقاق الأغوات، وفي جنوبي المسجد: زقاق باهو، وزقاق الكبريت، وزقاق القماشين، وزقاق الحجامين. انظر: مرآة الحرمين ٤١٠.
(٤) انظر: بغية المتتبع ٤٦٤.
(٥) هذا الأدب عند دخول كلِّ مسجد، وليس يختص بمسجد المدينة. كما نص عليه في الإقناع ٢/ ٣٢. وانظر في هذا الأدب: الشرح الكبير ١/ ٥٥١، المبدع ١/ ٤٢٦، الإقناع ١/ ١٦٩.
وقد ورد فيه عن ابن عمر: "أنهُ كان يبدأُ برجلِه اليمنَى". رواه البخاري معلقًا في أبواب =

<<  <  ج: ص:  >  >>