تعج بفحول العلماء، مما وفر في المنطقة مادة علمية ضخمة للطلب والمذاكرة.
هذه الأسباب وغيرها جعلت إمامنا ينهمك في السماع من أعيان بلده، ولم أقف على نص يذكر رحلته لطلب العلم في البلاد الأخرى، ولعل ذلك راجع إلى ما أسلفته من ميزات بلده، خصوصًا إذا أضيف إلى ذلك ما نهجه الأئمة من أنه لا ينبغي أن يرحل طالب العلم قبل أن يستوعب أهل بلده، لا سيما مثل البصرة التي فيها من ليس له نظير في الدنيا في عصره، قال الخطيب -رحمه الله- (١): المقصود في الرحلة في الحديث أمران:
أحدهما: تحصيل علو الإسناد، وقدم السماع.
والثاني: لقاء الحفاظ، والمذاكرة لهم، والاستفادة عنهم، فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب، ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة، والاقتصار على ما في البلد أولى ... وأما إذا كان الأمران اللذان ذكرناهما موجودين في بلد الطالب، وفي غيره، إلَاّ أن ما في كل واحد من البلدين يختص به، ... فالمستحب للطالب الرحلة لجمع الفائدتين من علو الإسنادين، وعلم الطائفتين، لكن بعد تحصيله حديث بلده وتمهره في المعرفة ... وإذا عزم الطالب على الرحلة فينبغي له أن لا يترك في بلده من الرواة أحدًا إلَاّ ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث وإن قلت. اهـ.
لكن بتأمل أقاليم شيوخه، يمكن أن يخرج المرء بنتيجة وهي: إنه استفاد من المراكز المهمة، والقريبة من بلده مثل (الكوفة) وهي لا تبعد عن البصرة في كثرة أئمة المحدثين كما أن (واسط) -وتقع بينهما- كان لها من المنزلة ما جعل الكبار يضربون لها أكباد المطي آلاف الأميال.