قَالَ: وَفِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ تُوُفِّيَ الشَّمْسُ الْوَتَّارُ الْمُوصِلِيُّ، وَكَانَ قَدْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْأَدَبِ، وَخَطَبَ بِجَامِعِ الْمِزَّةِ مُدَّةً. فَأَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ فِي الشَّيْبِ وَخِضَابِهِ:
وَكُنْتُ وَإِيَّاهَا مُذِ اخْتَطَّ عَارِضِي ... كَرُوحَيْنِ فِي جِسْمٍ وَمَا نَقَضَتْ عَهْدَا
فَلَمَّا أَتَانِي الشَّيْبُ يَقْطَعُ بَيْنَنَا ... تَوَهَّمْتُهُ سَيْفًا فَأَلْبَسْتُهُ غِمْدَا
وَفِيهَا اسْتَحْضَرَ الْمَلِكُ هُولَاكُوقَانَ مَلِكُ التَّتَارِ الزَّيْنَ الْحَافِظِيَّ، وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُؤَيَّدِ بْنِ عَامِرٍ الْعَقْرَبَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالزَّيْنِ الْحَافِظِيِّ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي خِيَانَتُكَ. وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمُغْتَرُّ لَمَّا قَدِمَ التَّتَارُ مَعَ هُولَاكُو دِمَشْقَ وَغَيْرَهَا مَالَأَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآذَاهُمْ، وَدَلَّ عَلَى عَوَرَاتِهِمْ، حَتَّى سَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ وَالْمَثُلَاتِ {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [الأنعام: ١٢٩] .
وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِ بِالظَّالِمِ، ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ جَمِيعًا، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنَ انْتِقَامِهِ وَغَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute