للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا إِلَيْهِ صَارَ، وَهُوَ لَمْ يَجْنِ عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ، قَبَّحَهُ اللَّهُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَقْلَعَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَتَابَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ قَالَ قَصِيدَةً يَعْتَذِرُ فِيهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَيَتَنَصَّلُ مِنْهُ، وَهِيَ الْقَصِيدَةُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:

يَا مَنْ يَرَى مَدَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهَا … فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الْأَلْيَلِ

وَيَرَى مَنَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَا … وَالْمْخُّ فِي تِلْكَ الْعِظَامِ النُّحَّلِ

امْنُنْ عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا … مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ

وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِمَعَرَّةِ النُّعْمَانِ، عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً إِلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَدْ رَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَتَلَامِذَتِهِ، وَأُنْشِدَتْ عِنْدَ قَبْرِهِ ثَمَانُونَ مَرْثَاةً، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَرْثَاتِهِ:

إِنْ كُنْتَ لَمْ تُرِقِ الدِّمَاءَ زَهَاَدَةً … فَلَقَدْ أَرَقْتَ الْيَوْمَ مِنْ جَفْنِي دَمَا

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَؤُلَاءِ إِمَّا جُهَّالٌ بِأَمْرِهِ، وَإِمَّا ضُلَّالٌ عَلَى مَذْهَبِهِ وَطَرِيقَتِهِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُهُمْ فِي النَّوْمِ رَجُلًا ضَرِيرًا عَلَى عَاتِقَيْهِ حَيَّتَانِ مُدَلَّيَتَانِ إِلَى صَدْرِهِ رَافِعَتَانِ رُءُوسَهُمَا، وَهُمَا يَنْهَشَانِ مِنْ لَحْمِهِ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: هَذَا الْمَعَرِّيُّ الْمُلْحِدُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي «الْوَفَيَاتِ» فَرَفَعَ فِي نَسَبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَقَفَ عَلَى الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْمِائَةِ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ «الْأَيْكِ وَالْغُصُونِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>