وَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُو الشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ يَسْتَعْدِيهِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ يَسُبُّهُ وَيَرْمِيهِ بِأَنَّهُ مُرَاءٍ مُتَنَامِسٍ، وَجَعَلَ يُبَالِغُ فِي شِكَايَتِهِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣] فَسَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَشْتَرِيُّ مُعِيدُ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ - وَكَانَ قَدْ جَمَعَ سِيرَةً مُخْتَصَرَةً لِنُورِ الدِّينِ - قَالَ: وَكَانَ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي جَمَاعَةٍ بِتَمَامِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ، وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا.
قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ دَخَلُوا بِلَادَ الْقُدْسِ لِلزِّيَارَةِ أَيَّامَ الْفِرِنْجِ، فَسَمِعَ الْكُفَّارَ يَقُولُونَ: ابْنُ الْقَسِيمِ - يَعْنُونُ نُورَ الدِّينِ - لَهُ مَعَ اللَّهِ سِرٌّ ; فَإِنَّهُ مَا يَظْفَرُ عَلَيْنَا بِكَثْرَةِ جُنْدِهِ وَجَيْشِهِ، وَإِنَّمَا يَظْفَرُ عَلَيْنَا بِالدُّعَاءِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَرْفَعُ يَدَهُ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُوهُ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَسْتَجِيبُ لَهُ دُعَاءَهُ، وَيُعْطِيهِ سُؤْلَهُ، وَمَا يَرُدُّ يَدَهُ خَائِبَةً، فَيَظْفَرُ عَلَيْنَا. قَالَ: فَهَذَا كَلَامُ الْكُفَّارِ فِي حَقِّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَحَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ وَقَفَ بُسْتَانَ الْمَيْدَانِ ; - سِوَى الْغَيْضَةِ الَّتِي تَلِيهِ - نِصْفَهُ عَلَى تَطْيِيبِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُقْسَمُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ; جُزْآنِ مِنْهَا عَلَى تَطْيِيبِ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالتِّسْعَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute