وَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ مَرَاكِبُ فِيهَا مِيرَةٌ لَهُمْ، فَأَخَذَهَا الْأُسْطُولُ الْبَحْرِيُّ، وَأُرْسِلَتِ الْمِيَاهُ عَلَى أَرَاضِي دِمْيَاطَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَحَصَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى حَتَّى اضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الْأَمَاكِنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَثَابُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ بِلَا مُعَاوَضَةٍ، فَجَاءَ مُقَدِّمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَخَوَاهُ الْمُعَظَّمُ عِيسَى وَمُوسَى الْأَشْرَفُ، وَكَانَا قَائِمَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا وَأَمْرًا مَحْمُودًا، فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَا أَرَادَ الْكَامِلُ مُحَمَّدٌ، بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَمُلُوكُ الْفِرِنْجِ وَالْعَسَاكِرُ كُلُّهَا وَاقِفَةٌ بِحَضْرَتِهِ، وَمَدَّ سِمَاطًا عَظِيمًا، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَقَامَ رَاجِحٌ الْحِلِّيُّ الشَّاعِرُ فَأَنْشَدَ:
هَنِيئًا فَإِنَّ السَّعْدَ رَاحَ مُخَلَّدَا ... وَقَدْ أَنْجَزَ الرَّحْمَنُ بِالنَّصْرِ مَوْعِدَا
حَبَانَا إِلَهُ الْخَلْقِ فَتْحًا بَدَا لَنَا ... مُبِينًا وَإِنْعَامًا وَعِزًّا مُؤَبَّدَا
تَهَلَّلَ وَجْهُ الدَّهْرِ بَعْدَ قُطُوبِهِ ... وَأَصْبَحَ وَجْهُ الشِّرْكِ بِالظُّلْمِ أَسْوَدَا
وَلَمَّا طَغَى الْبَحْرُ الْخِضَمُّ بِأَهْلِهِ الْطُّ ... غَاةِ وَأَضْحَى بِالْمَرَاكِبِ مُزْبِدَا
أَقَامَ لْهَذَا الدِّينِ مَنْ سَلَّ عَزْمَهُ ... صَقِيلًا كَمَا سُلَّ الْحُسَامُ مُجَرَّدَا
فَلَمْ يَنْجُ إِلَّا كُلُّ شِلْوٍ مُجَدَّلٍ ... ثَوَى مِنْهُمُ أَوْ مَنْ تَرَاهُ مْقَيَّدَا
وَنَادَى لِسَانُ الْكَوْنِ فِي الْأَرْضِ رَافِعًا ... عَقِيرَتَهُ فِي الْخَافِقَيْنِ وَمُنْشِدَا
أَعُبَّادَ عِيسَى إِنَّ عِيسَى وَحِزْبَهُ ... وَمُوسَى جَمِيعًا يَخْدُمُونَ مُحَمَّدَا
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَشَارَ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمُعَظَّمِ عِيسَى وَالْأَشْرَفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute