للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ، حَدِيدَ النَّظَرِ. قَالَ: إِذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا لَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ، أَكُلُّ هَذَا فَرَقٌ مِنِّي أَنْ أُشَاتِمَهُ؟! وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ، صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ جَدَّعَ بَعِيرَهُ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ، وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنِّي مَا جَاءَ مِنَ الْأَمْرِ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا وَقَالُوا: أَيُظَنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ؟ ! وَاللَّهِ لَيَعْلَمَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، كَنَحْوٍ مِنْ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، خَافُوا مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَخَرَجُوا عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ، إِمَّا خَارِجٌ وَإِمَّا بَاعِثٌ مَكَانَهُ رَجُلًا، وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، اسْتَأْجَرَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>