أَكْبَرِ مَدَائِنِهِمْ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ نَرْسَى، دَخَلُوهَا فِي نَحْوِ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مَا بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فَنَهَبُوا سُوقَ الْعِطْرِ وَالْجَوَاهِرِ بِهَا نَهَارًا كَامِلًا، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُحَوِّلُوا مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَالْمِسْكِ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَدْرِ أَكْثَرُ أَهْلِهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ، طُولُهَا مَسِيرَةُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْهِنْدِ، وَعَرْضُهَا كَذَلِكَ، وَأُخِذَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالتُّحَفِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْكَيْلِ. وَلَمْ يَصِلْ جَيْشٌ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، لَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا.
وَفِيهَا عَمِلَتِ الرَّافِضَةُ بِدْعَتَهُمُ الشَّنْعَاءَ، وَحَادِثَتَهُمُ الصَّلْعَاءَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مِنْ تَعْلِيقِ الْمُسُوحِ، وَتَغْلِيقِ الْأَسْوَاقِ، وَالنَّوْحِ وَالْبُكَاءِ، فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَرْجَاءِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي الْحَدِيدِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ، وَجَرَتْ فِتَنٌ كَبِيرَةٌ، وَشُرُورٌ مُسْتَطِيرَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ وَعَهِدَ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى وَلَدِهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ، وَخُطِبَ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَضُرِبَ اسْمُهُ عَلَى السِّكَّةِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا فِي الْبَادِي وَالْحَاضِرِ.
وَفِيهَا أَقْبَلَ مَلِكُ الرُّومِ مِنْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَسَارَ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute