لَهُ: يَا بُنَيَّ، عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ بِهَذَا الْوَادِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَحْفُوفًا بِالْقِتَالِ، فَكَيْفَ بِكَ وَبِأَشْبَاهِكَ الَّذِينَ وُلُّوا أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ؟ أُولَئِكَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّبْرِ وَالنَّصِيحَةِ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا بُنَيَّ، وَلَا يَكُونَنَّ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ بَأَرْغَبَ فِي الْأَجْرِ وَالصَّبْرِ فِي الْحَرْبِ، وَلَا أَجْرَأَ عَلَى عَدُوِّ الْإِسْلَامِ مِنْكَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَاتَلَ يَوْمَئِذٍ قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْقَلْبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَسَمِعْنَا صَوْتًا يَكَادُ يَمْلَأُ الْعَسْكَرَ يَقُولُ: يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ، الثَّبَاتَ الثَّبَاتَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يَزِيدَ. .
وَأَكْمَلَ خَالِدٌ لَيْلَتَهُ فِي خَيْمَةِ تَذَارِقَ أَخِي هِرَقْلَ، وَهُوَ أَمِيرُ الرُّومِ كُلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ، هَرَبَ فِيمَنْ هَرَبَ، وَبَاتَتِ الْخُيُولُ تَجُولُ نَحْوَ خَيْمَةِ خَالِدٍ يَقْتُلُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الرُّومِ حَتَّى أَصْبَحُوا، وَقُتِلَ تَذَارِقُ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ سُرَادِقًا وَثَلَاثُونَ رُوَاقًا مِنْ دِيبَاجٍ بِمَا فِيهَا مِنَ الْفُرُشِ وَالْحَرِيرِ، فَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ حَازُوا مَا كَانَ هُنَالِكَ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَمَا فَرِحُوا بِمَا وَجَدُوا بِقَدْرِ حُزْنِهِمْ عَلَى الصِّدِّيقِ حِينَ أَعْلَمَهُمْ خَالِدٌ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ عَوَّضَهُمُ اللَّهُ بِالْفَارُوقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ خَالِدٌ حِينَ عَزَّى الْمُسْلِمِينَ فِي الصِّدِّيقِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالْمَوْتِ وَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عُمَرَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَلَّى عُمَرَ وَكَانَ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَلْزَمَنِي حُبَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute