قَالَ عُتْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: مَا رَأَيْتُ عُقُولَ النَّاسِ إِلَّا قَرِيبًا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، إِلَّا الْحَجَّاجَ وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّ عُقُولَهُمَا كَانَتْ تَرْجَحُ عَلَى عُقُولِ النَّاسِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بَعَثَ الْحَجَّاجَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بِمَكَّةَ فَحَاصَرَهُ بِهَا، وَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ عَامَئِذٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْحَجَّاجُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا تَمَكَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَزَلْ مُحَاصِرَهُ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ فِي جُمَادَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ وَالْيَمَنِ، ثُمَّ وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْعِرَاقَ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ بِشْرٍ، فَدَخَلَ الْكُوفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ لَهُمْ وَفَعَلَ بِهِمْ مَا تَقَدَّمَ إِيرَادُهُ مُفَصَّلًا، فَأَقَامَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ عِشْرِينَ سَنَةً كَامِلَةً. وَفَتَحَ فِيهَا فُتُوحَاتٍ كَثِيرَةً هَائِلَةً مُنْتَشِرَةً، حَتَّى وَصَلَتْ خُيُولُهُ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ وَالسِّنْدِ، فَفَتَحَ فِيهَا جُمْلَةَ مُدُنٍ وَأَقَالِيمَ، وَوَصَلَتْ خُيُولُهُ أَيْضًا إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بِلَادِ الصِّينِ، وَجَرَتْ لَهُ فُصُولٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَنَحْنُ نُورِدُ هُنَا أَشْيَاءَ أُخَرَ مِمَّا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْأُمُورِ وَالْجَرَاءَةِ وَالْإِقْدَامِ، وَالتَّهَوُّرِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ، مِمَّا يُمْدَحُ عَلَى مِثْلِهِ، وَمِمَّا يُذَمُّ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، مِمَّا سَاقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ:
فَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute