للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالصَّالِحِيَّةِ، فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَى جَنَازَتِهِ إِلَى الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَضَاقَ الْجَامِعُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَنْ يَسَعَهُمْ، وَصَلَّى النَّاسُ فِي الطُّرُقَاتِ وَأَرْجَاءِ الصَّالِحِيَّةِ، وَكَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا جِدًّا لَمْ يَشْهَدِ النَّاسُ جِنَازَةً بَعْدَ جِنَازَةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ مِثْلَهَا; لِكَثْرَةِ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ النَّاسِ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَفِيهِمُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ وَالْأُمَرَاءُ وَجُمْهُورُ النَّاسِ، يُقَارِبُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَانْتَظَرَ النَّاسُ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ، فَاشْتَغَلَ بِكِتَابٍ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَصُلِّيَ عَلَى الشَّيْخِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَدُفِنَ عِنْدَ أَخِيهِ فِي تُرْبَةٍ بَيْنَ تُرْبَةِ الْمُوَفَّقِ وَبَيْنَ تُرْبَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّانَا.

وَفِي أَوَّلِ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى تُوُفِّيَتِ الشَّيْخَةُ الْعَابِدَةُ الصَّالِحَةُ الْعَالِمَةُ قَارِئَةُ الْقُرْآنِ، أُمُّ فَاطِمَةَ عَائِشَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ صِدِّيقٍ، زَوْجَةُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ عَشِيَّةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ مُسْتَهَلِّ هَذَا الشَّهْرِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهَا بِالْجَامِعِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَدُفِنَتْ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ غَرْبِيِّ قَبْرِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، كَانَتْ عَدِيمَةَ النَّظِيرِ فِي نِسَاءِ زَمَانِهَا; لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهَا، وَتِلَاوَتِهَا، وَإِقْرَائِهَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ بِفَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ، وَأَدَاءٍ صَحِيحٍ يَعْجِزُ كَثِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ عَنْ تَجْوِيدِهِ، وَخَتَّمَتْ نِسَاءً كَثِيرًا، وَقَرَأَ عَلَيْهَا مِنَ النِّسَاءِ خَلْقٌ وَانْتَفَعْنَ بِهَا وَبِصَلَاحِهَا وَدِينِهَا وَزُهْدِهَا فِي الدُّنْيَا، وَتُقَلُّلِهَا مِنْهَا مَعَ طُولِ الْعُمُرِ، بَلَغَتْ ثَمَانِينَ سَنَةً، أَنْفَقَتْهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهَا صَلَاةً وَتِلَاوَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ مُحْسِنًا إِلَيْهَا مُطِيعًا، لَا يَكَادُ يُخَالِفُهَا; لِحُبِّهِ لَهَا طَبْعًا وَشَرْعًا، فَرَحِمَهَا اللَّهُ وَقَدَّسَ رُوحَهَا، وَنَوَّرَ مَضْجَعَهَا بِالرَّحْمَةِ، آمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>