للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَاكَ بَدِيعُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاَلْ ... مُرْسِي الْجِبَالَ الْمُسَخِّرُ الْفَلَكِ

فَقَالَ الْمَنْصُورُ: هَذَا وَاللَّهِ أَوَانُ حُضُورِ أَجَلِي وَانْقِضَاءِ عُمْرِي.

وَكَانَ قَدْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَصْرِهِ الْخُلْدِ الَّذِي بَنَاهُ وَتَأَنَّقَ فِيهِ، مَنَامًا أَفْزَعَهُ، فَقَالَ لِلرَّبِيعِ: وَيْحَكَ يَا رَبِيعُ! لَقَدْ رَأَيْتُ مَنَامًا هَالَنِي; رَأَيْتُ قَائِلًا وَقَفَ فِي بَابِ هَذَا الْقَصْرِ، وَهُوَ يَقُولُ:

كَأَنِّي بِهَذَا الْقَصْرِ قَدْ بَادَ آهِلُهُ ... وَعُرِّيَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَمَنَازِلُهُ

وَصَارَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مِنْ بَعْدِ بَهْجَةٍ ... إِلَى جَدَثٍ تُبْنَى عَلَيْهِ جَنَادِلُهُ

فَمَا أَقَامَ فِي الْخُلْدِ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ عَامَهُ هَذَا، وَمَرِضَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَدَخَلَهَا مُدْنَفًا ثَقِيلًا. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِسِتٍّ - وَقِيلَ: لِسَبْعٍ - مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.

وَكَانَ آخَرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي لِقَائِكَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنْ كُنْتُ عَصَيْتُكَ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فَقَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْكَ; شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا. ثُمَّ مَاتَ.

وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: اللَّهُ ثِقَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِهِ يُؤْمِنُ.

وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ وَفَاتِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ; مِنْهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>