فَبِمَ تَسْتَحِلُّ دَمِي، وَلَمْ آتِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ كَوُقُوفِي بَيْنَ يَدَيْكَ. فَكَأَنَّهُ أَمْسَكَ، ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ كَافِرٌ. فَأَمَرَ بِي فَأُقِمْتُ بَيْنَ الْعُقَابَيْنِ، وَجِيءَ بِكُرْسِيٍّ فَأُقِمْتُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَنِي بَعْضُهُمْ أَنْ آخُذَ بِيَدِي بِأَيِّ الْخَشَبَتَيْنِ فَلَمْ أَفْهَمْ، فَتَخَلَّعَتْ يَدَايَ، وَجِيءَ بِالضَّرَّابِينَ، وَمَعَهُمُ السِّيَاطُ فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ، وَيَقُولُ لَهُ يَعْنِي الْمُعْتَصِمُ: شُدَّ، قَطَّعَ اللَّهُ يَدَكَ! وَيَجِيءُ الْآخَرُ فَيَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ، ثُمَّ الْآخَرُ كَذَلِكَ، فَضَرَبُونِي أَسْوَاطًا فَأُغْمِيَ عَلَيَّ، وَذَهَبَ عَقْلِي مِرَارًا، فَإِذَا سَكَنَ الضَّرْبُ يَعُودُ إِلَيَّ عَقْلِي، وَقَامَ الْمُعْتَصِمُ إِلَيَّ يَدْعُونِي إِلَى قَوْلِهِمْ فَلَمْ أُجِبْهُ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: وَيْحَكَ، الْخَلِيفَةُ عَلَى رَأْسِكَ. فَلَمْ أَقْبَلْ، فَأَعَادُوا الضَّرْبَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَأَعَادُوا الضَّرْبَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ، فَدَعَانِي فَلَمْ أَعْقِلْ مَا قَالَ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ، ثُمَّ أَعَادُوا الضَّرْبَ فَذَهَبَ عَقْلِي فَلَمْ أُحِسَّ بِالضَّرْبِ، وَأَرْعَبَهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِي، وَأَمَرَ بِي فَأُطْلِقْتُ، وَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَأَنَا فِي حُجْرَةٍ مِنْ بِيْتٍ وَقَدْ أُطْلِقَتِ الْأَقْيَادُ مِنْ رِجْلِي، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِإِطْلَاقِهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَكَانَ جُمْلَةُ مَا ضُرِبَ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ سَوْطًا، وَقِيلَ: ثَمَانِينَ سَوْطًا لَكِنْ كَانَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا شَدِيدًا جِدًّا.
وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَجُلًا طُوَالًا رَقِيقًا أَسْمَرَ اللَّوْنِ كَثِيرَ التَّوَاضُعِ، رَحِمَهُ اللَّهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute