بَلْ وَكَّلَ بِعِمَارَتِهَا وَتَجْدِيدِ مَحَاسِنِهَا بَهَاءَ الدِّينِ قَرَاقُوشَ التَّقَوِيَّ، وَوَقَفَ دَارَ الْإِسْبِتَارِ نِصْفَيْنِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَجَعَلَ دَارَ الْأَسْقُفِ مَارَسْتَانًا وَوَقَفَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْقَافًا دَارَّةً، وَوَلَّى نَظَرَ ذَلِكَ لِقَاضِيهَا جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي النَّجِيبِ، وَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِآرَائِهِ مُصِيبٌ. وَلَمَّا فَرَغَ السُّلْطَانُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوبِ، وَأَزَالَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ الْكُرُوبَ، وَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، أَبْهَجَ الْعُيُونَ وَسَرَّ الْقُلُوبَ وَجَاءَتْهُ رُسُلُ الْمُلُوكِ بِالتَّهَانِي مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَمْصَارِ بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا الَّتِي تَبْهَرُ الْأَبْصَارَ، وَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِ يَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا ; أَنَّهُ بَعَثَ فِي بِشَارَةِ الْفَتْحِ بِحِطِّينَ مَعَ شَابٍّ بَغْدَادِيٍّ كَانَ وَضِيعًا عِنْدَهُمْ، لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ، وَأَرْسَلَ بِفَتْحِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ مَعَ نَجَّابٍ، وَلَقَّبَ نَفْسَهُ بِالْمَلِكِ النَّاصِرِ مُضَاهَاةً لِلْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، فَتَلَقَّى الرَّسُولَ بِالْبِشْرِ وَاللُّطْفِ، وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُ إِلَّا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ مِمَّا وَقَعَ بِأَنَّ الْحَرْبَ كَانَتْ قَدْ شَغَلَتْهُ عَنِ التَّرَوِّي فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَأَمَّا لَقَبُهُ بِالنَّاصِرِ فَهُوَ مِنْ أَيَّامِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضِيءِ، وَمَعَ هَذَا فَمَهْمَا لَقَّبَنِي بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَتَأَدَّبَ مَعَ الْخَلِيفَةِ غَايَةَ الْأَدَبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ بَيْنَ الْمَلِكِ شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ صَاحِبِ غَزْنَةَ وَبَيْنَ مَلِكِ الْهِنْدِ الْكَبِيرِ، فَأَقْبَلَتِ الْهُنُودُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْجُنُودِ وَمَعَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِيلًا، فَانْهَزَمَتْ مَيْمَنَةُ الْمُسْلِمِينَ وَمَيْسَرَتُهُمْ، وَقِيلَ لِلْمَلِكِ: انْجُ بِنَفْسِكَ. فَمَا زَادَهُ إِلَّا إِقَدْامًا، فَحَمَلَ عَلَى الْفِيَلَةِ فَجَرَحَ بَعْضَهَا - وَجُرْحُ الْفِيلِ لَا يَنْدَمِلُ - فَرَمَاهُ بَعْضُ الْفَيَّالَةِ بِحَرْبَةٍ فِي سَاعِدِهِ فَخَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَخَرَّ صَرِيعًا، فَحَمَلَتِ الْهِنْدُ عَلَيْهِ لِيَأْخُذُوهُ، فَجَاحَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ لِيَحْمُوهُ، فَجَرَتْ عِنْدَهُ حَرْبٌ لَمْ يُسْمَعْ بِشِدَّتِهَا فِي مَوْقِفٍ، فَغَلَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute