للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّامُهُ، وَانْتَهَتْ رِيَاسَتُهُ، وَقَرُبَ انْقِضَاءُ أَجْلِهِ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهِمَا وَفِي ابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَتْبَاعِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يُسَيِّرُوهُ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ كَهَيْئَةِ الْمَنْفِيِّ لَعَلَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ غِيلَةً، فَيَسْتَرِيحُوا مِنْهُ، فَمَا زَادَ ذَلِكَ النَّاسُ إِلَّا مَحَبَّةً فِيهِ، وَقُرْبًا مِنْهُ، وَانْتِفَاعًا بِهِ، وَاشْتِغَالًا عَلَيْهِ، وَحُنُوًّا وَكَرَامَةً لَهُ، وَجَاءَ كِتَابٌ مِنْ أَخِيهِ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّ الْأَخَ الْكَرِيمَ قَدْ نَزَلَ بِالثَّغْرِ الْمَحْرُوسِ عَلَى نِيَّةِ الرِّبَاطِ، فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ قَصَدُوا بِذَلِكَ أُمُورًا يَكِيدُونَهُ بِهَا، وَيَكِيدُونَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، فَكَانَتْ تِلْكَ كَرَامَةً فِي حَقِّنَا، وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكِ الشَّيْخِ، فَانْقَلَبَتْ عَلَيْهِمْ مَقَاصِدُهُمُ الْخَبِيثَةُ، وَانْعَكَسَتْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَأَصْبَحُوا وَأَمْسَوْا وَمَازَالُوا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ عِبَادِهِ الْعَارِفِينَ سُودَ الْوُجُوهِ، يَتَقَطَّعُونَ حَسَرَاتٍ وَنَدَمًا عَلَى مَا فَعَلُوا، وَانْقَلَبَ أَهْلُ الثَّغْرِ أَجْمَعِينَ إِلَى الْأَخِ مُقْبِلِينَ، عَلَيْهِ مُكْرِمِينَ لَهُ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ يَنْشُرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ شَجًى فِي حُلُوقِ الْأَعْدَاءِ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ وَجَدَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِبْلِيسَ قَدْ بَاضَ فِيهَا وَفَرَّخَ، وَأَضَلَّ بِهَا فِرَقَ السَّبْعِينِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ، فَمَزَّقَ اللَّهُ بِقُدُومِهِ عَلَيْهِمْ شَمْلَهُمْ، وَشَتَّتَ جُمُوعَهُمْ شَذَرَ مَذَرَ، وَهَتَكَ أَسْتَارَهُمْ، وَفَضَحَهُمْ، وَاسْتَتَابَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْهُمْ، وَتَوَّبَ رَئِيسًا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَاسْتَقَرَّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَخَوَاصِّهِمْ - مِنْ أَمِيرٍ وَقَاضٍ، وَفَقِيهٍ وَمُفْتٍ، وَشَيْخٍ وَجَمَاعَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنَ الْأَغْمَارِ الْجُهَّالِ، مَعَ الذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ - مَحَبَّةُ الشَّيْخِ وَتَعْظِيمُهُ، وَقَبُولُ كَلَامِهِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَعَلَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ بِهَا عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلُعِنُوا سِرًّا وَجَهْرًا، وَبَاطِنًا وَظَاهِرًا، فِي مَجَامِعِ النَّاسِ بِأَسْمَائِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمْ، وَصَارَ بِذَلِكَ عِنْدَ نَصْرٍ الْمَنْبِجِيِّ الْمُقِيمَ الْمُقْعِدَ، وَنَزَلَ بِهِ مِنَ الْخَوْفِ وَالذُّلِّ مَالَا يُعَبَّرُ عَنْهُ. وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>