الْمَلِكُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ مُؤَيَّدِ الدَّوْلَةِ يَعُودُهُ لِيُوصِيَهُ فِي أُمُورِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مُوصِيكَ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي الْأُمُورِ عَلَى مَا تَرَكْتُهَا عَلَيْهِ، وَلَا تَغَيِّرْهَا، فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَمْرَرْتَ بِهَا نُسِبَتْ إِلَيْكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِنْ غَيَّرْتَهَا وَسَلَكْتَ غَيْرَهَا نُسِبَتْ هِيَ وَالْخَيْرُ الْمُتَقَدِّمُ إِلَيَّ لَا إِلَيْكَ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ الْخَيْرِ إِلَيْكَ، وَإِنْ كُنْتُ أَنَا الْمُشِيرُ بِهَا عَلَيْكَ. فَأَعْجَبَهُ مِنْهُ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا أَوْصَاهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي عَشِيَّةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مِنَ الْوُزَرَاءِ بِالصَّاحِبِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ بَعْدَهُ فِيهِمْ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ صُحْبَتِهِ الْوَزِيرَ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ الْعَمِيدِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: صَاحِبُ ابْنِ الْعَمِيدِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَيْهِ أَيَّامَ وِزَارَتِهِ، وَقَالَ الصَّابِئُ فِي كِتَابِهِ " التَّاجِيِّ ": إِنَّمَا سَمَّاهُ الصَّاحِبَ مُؤَيِّدُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبُهُ مِنَ الصِّغَرِ، فَكَانَ يُسَمِّيهِ الصَّاحِبَ، فَلَمَّا مَلَكَ وَاسْتَوْزَرَهُ سَمَّاهُ الصَّاحِبَ، فَاشْتُهِرَ بِهِ، وَتَسَمَّى بِهِ الْوُزَرَاءُ بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ قِطْعَةً صَالِحَةً مِنْ مَكَارِمِهِ وَفَضَائِلِهِ وَثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَعَدَّدَ لَهُ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً، مِنْهَا كِتَابُهُ " الْمُحِيطُ " فِي اللُّغَةِ فِي سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ، يَحْتَوِي عَلَى أَكْثَرِ اللُّغَةِ، وَأَوْرَدَ مِنْ شِعْرِهِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا قَوْلُهُ وَهُوَ صَنِيعٌ لَطِيفٌ
رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَقَّتِ الْخَمْرُ ... وَتَشَابَهَا فَتَشَاكَلَ الْأَمْرُ
فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ ... وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute