للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُشَارَكَةً قَرِيبَةً حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْعِبَارَةِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ لَهُ الْقُطْبُ النَّيْسَابُورِيُّ عَقِيدَةً فَكَانَ يَحْفَظُهَا، وَيُحَفِّظُهَا مَنْ عَقَلَ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ حَتَّى إِنَّهُ سَمِعَ فِي بَعْضِ الْمُصَافَّاتِ جُزْءًا، وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَكَانَ يَتَبَجِّحُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: هَذَا مَوْقِفٌ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ فِي مِثْلِهِ حَدِيثًا. وَكَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ.

وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ سَرِيعَ الدَّمْعَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَدِيثِ، كَثِيرَ التَّعْظِيمِ لِشَعَائِرِ الدِّينِ ; كَانَ قَدْ لَجَأَ إِلَى وَلَدِهِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ بِحَلَبَ، شَابٌّ يُقَالُ لَهُ: الشِّهَابُ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُ الْكِيمْيَا وَشَيْئًا مِنَ الشَّعْبَذَةِ، وَالْأَبْوَابِ النِّيرَنْجِيَّاتِ، فَافْتَتَنَ بِهِ وَلَدُ السُّلْطَانِ الظَّاهِرُ، وَقَرَّبَهُ وَأَحَبَّهُ، وَخَالَفَ فِيهِ حَمَلَةَ الشَّرْعِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ لَا مَحَالَةَ فَصَلَبَهُ عَنْ أَمْرِ وَالِدِهِ، وَشَهَّرَهُ، وَيُقَالُ: بَلْ حَبَسَهُ بَيْنَ حَائِطَيْنِ حَتَّى مَاتَ كَمَدًا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.

وَكَانَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ بَدَنًا وَقَلْبًا، مَعَ مَا كَانَ يَعْتَرِي جِسْمَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَلَاسِيَّمَا وَهُوَ مُرَابِطٌ مُصَابِرٌ مُثَابِرٌ عِنْدَ عَكَّا ; فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ كَثْرَةِ جُمُوعِهِمْ وَأَمْدَادِهِمْ لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلَّا قُوَّةً وَشَجَاعَةً، وَقَدْ بَلَغَتْ جُمُوعُهُمْ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَيُقَالُ: سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ. وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>