مِنَ الْجُنْدِ فَأَطَافُوا بِجَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى لَيْلًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُورٌ الْخَادِمُ، وَعِنْدَهُ بُخْتَيَشُوعُ الْمُتَطَبِّبُ، وَأَبُو زَكَّارٍ الْأَعْمَى الْمُغَنِّي الْكَلْوَذَانِيُّ، وَهُوَ فِي أَمْرِهِ، وَأَبُو زَكَّارٍ يُغَنِّيهِ:
فَلَا تَبْعَدْ فَكُلُّ فَتًى سَيَأْتِي ... عَلَيْهِ الْمَوْتُ يَطْرُقُ أَوْ يُغَادِي
فَقَالَ الْخَادِمُ لَهُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا الْمَوْتُ قَدْ طُرَقَكَ، أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَبَّلَ قَدَمَيْهِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ، أَنْ يَدْخُلَ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُوصِيَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَمَّا الدُّخُولُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَأَوْصَى جَعْفَرٌ وَأَعْتَقَ جَمَاعَةً مِنْ مَمَالِيكِهِ، وَجَاءَتْ رُسُلُ الرَّشِيدِ تَسْتَحِثُّ الْخَادِمَ، فَأَخْرَجَهُ إِخْرَاجًا عَنِيفًا يَقُودُهُ، حَتَّى أَتَى الْمَنْزِلَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الرَّشِيدُ فَحَبَسَهُ وَقَيَّدَهُ بِقَيْدِ حِمَارٍ، وَأَعْلَمَ الرَّشِيدَ بِمَا كَانَ فَعَلَ، فَأَمَرَهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَجَاءَ إِلَى جَعْفَرٍ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا هَاشِمٍ، لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَكْرَانُ، فَإِذَا صَحَا عَاتَبَكَ عَلَى ذَلِكَ، فَعَاوِدْهُ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَعَلَّكَ مَشْغُولٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّهِ! ائْتِنِي بِرَأْسِهِ. فَكَرَّرَ عَلَيْهِ جَعْفَرٌ الْمُعَاوَدَةَ، فَقَالَ لَهُ: بَرِئْتُ مِنَ الْمَهْدِيِّ لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِرَأْسِهِ لَأَبْعَثَنَّ مَنْ يَأْتِينِي بِرَأْسِكَ وَرَأْسِهِ. فَرَجَعَ إِلَى جَعْفَرٍ، فَحَزَّ رَأْسَهُ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى الرَّشِيدِ، فَأَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَرْسَلَ الرَّشِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ الْبُرُدَ فِي الِاحْتِيَاطِ عَلَى الْبَرَامِكَةِ جَمِيعِهِمْ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِسَبِيلٍ فَأُخِذُوا كُلُّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَحَبَسَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَحَبَسَ الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى فِي مَنْزِلٍ آخَرَ، وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالْمَوَالِي، وَالْحَشَمِ، وَالْخَدَمِ، وَاحْتِيطَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَبَعَثَ الرَّشِيدُ بِرَأْسِ جَعْفَرٍ وَجُثَّتِهِ، ثُمَّ قُطِعَتْ بِاثْنَيْنِ، فَنُصِبَ الرَّأْسُ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَعْلَى، وَشِقُّ الْجُثَّةِ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَسْفَلِ، وَشِقُّهَا الْآخَرُ عِنْدَ الْجِسْرِ الْآخَرِ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute